هذا الألم.. الذي يضيء - عدنان الصائغ

ما أن أجلس على الكرسي - ذاتَ نهارٍ مشمسٍ -
صالباً ساقيَّ اللتين شوهتهما الحربُ
ومحدقاً في بريدِ الشوارعِ وهو يحملُ لي بطاقاتِ الأصدقاءِ المفقودة, والكسلََ،
والباصاتِ المسرعةَ, وغيومَ الدهشةِ..
مسترجعاً أمام عينيكِ السوداوين تأريخَ حزني الطويل
وبمجردِ أن أرمشَ جفني
تتساقطُ صورُ القنابلِ بدل الدموع
كفاكِ تحديقاً في مرايا عيوني..
لقد بكيتُ كثيراً, أكثرَ مما يجبُ
أكثرَ من كميةِ الدموعِ المخصصةِ لحياتي
والآنْ..
عليَّ أن أبتسمَ أمامَ مرايا المطعم الفخمِ، الذي تطأهُ أقدامُ دهشتي لأولِ مرة،
محاطاً بذراعك نصف العارية..
بينما يغطّي الفرو الثمينُ نصفَ العالم الشهي
اتركيني - لدقائق -
ريثما يهدأُ هذا الهلعُ الذي يسكنني
منذ دخلتُ – سهواً – رصيدكِ العاطفي
اتركيني - لساعات -
ففي داخلي سنواتٌ من الوحلِ والهلعِ والرصاصِ
لن تمسحَها يافطةُ النادلِ الأجنبيِّ، وهو ينحني بأدبٍ جمٍّ،
ليزيل قطرات القهوة التي أسقطها ارتباكي
على قماشِ الطاولةِ الأبيضِ
كان عليّ - على الأقلِ - أن أحدثكِ قبل هذا
عن بساتين طفولتي التي حرثتها أسنانُ البلدوزرات والمجنـزرات
عن قلبي الذي ما زال يرتجفُ على الأرصفةِ، كلما مرَّ به ما يشبهُ شَعرها الطويل
عن القنابلِ التي حفرتْ ذكرياتها على ملامحي
عن نساءِ الصالونات اللواتي تضاحكن لرؤية حذائي المغموسِ بالطين
عن الأرصفةِ التي شردتني في الأجازاتِ القصيرةِ {المسروقةِ}
والأشجار التي اختبأتْ في مساماتِ جلدي أثناء القصفِ
عن السنواتِ المرّة التي تركتْ طعمها عالقاً على شفتي..، حتى هذه اللحظة
من عصير أناناسكِ وفنجانِ قهوتي
كفاك تحديقاً في مرايا عيوني
أعرفُ.. أعرفُ.. أعرفُ
أعرفُ ذلك...
هذه الذكريات ضيّعتْ حياتي تماماً
أعرفُ، هذه القصائد التي غاصت معي في البرك،
وحملتها في الملاجيء والمقاهي والدروب
ستبقى معي أينما ارتحلتُ
أعرفُ، هذا القلب سيضيّعُ ما تبقى مني
لقد تورطتُ..
تورطتُ تماماً..
ورغم ذلك فلستُ على استعدادٍ
لأن أبدّلَ حياتي بأيةِ حياة على الاطلاقِ
فأنا أملكُ هذا الألمَ الذي يضيء
***********