هدوء - محمد البغدادي

يَبدو عليكَ
هدوءٌ
لَستَ تَعهَدُهُ!!
مَللتَ؟
أم جلدُكَ البالي
تجدِّدُهُ؟؟
كانتْ جِراحُكَ
سكِّيناً تُضمِّدُها
وجرحُكَ الألفُ هذا
هلْ تُضمِّدُهُ؟
يا قلبُ
فاجأتَني بالصَّمتِ
لا غَضَبٌ
تذوبُ فيهِ
ولا سهمٌ تُسدِّدُهُ؟!
ولا حسامٌ بصدرِ الشعرِ
تُغمِدُهُ؟!
ولا يراعٌ على الدنيا
تجرِّدُهُ؟!
ولا سحابٌ
بأوهامٍ
تلبِّدُهُ
وَباحتضارِ أمانيهِ
تُبدِّدُهُ؟!
عانيتُ منكَ
غَداةَ الشعرُ أشرعةٌ
بيضاءُ
في زَورَقٍ
وَالريحُ مقودُهُ
فأنتَ بينَ وحوشِ الموجِ
جائِعة
مثلُ الغريقِ
وَلكنْ...
أينَها يدُهُ؟!
وأنتَ كالراهبِ
المهجورِ معبدُهُ
حتى ضباعُ الصحارى
ليس تحسدُهُ!!
* * *
يا قلب
يا سيد الأوهامِ
دَعْ قلمي
يَشرَبْ
وَمن دَمِكَ المطلولِ
مورِدُهُ
وَدعْهُ يَسلبْكَ
ما حاولتَ تكتمُهُ
فَفاضَ
رغمَكَ
في لحنٍ
تصعِّدُهُ!!
وفاضَ
حتى طغَتْ أصداءُ صرخَتِهِ
وَأغرَقَ الكونَ
في لغطٍ
تمرُّدُهُ
* * *
يا غابةَ الأَلمِ المكبوتِ
يا عُمُراً
أقصى أمانيهِ
أنْ يمضي بهِ
غدُهُ!!
حتَّامَ تخنق إحساساً؟
فتوقدُهُ!!
وتدَّعي
أنَّ هذا الفعلَ
يخمِدُهُ!!
حتَّامَ
تقنِعُهُ بالحربِ
تَدفَعُهُ
وبعدَها
في خضمِّ الموتِ
تُفرِدُهُ؟!
حتَّامَ
حتَّامَ
يا قلبي الذي يَبسَتْ
أوراقُهُ
وطغَى فيهِ
تنهُّدُهُ
أ أنتَ تكرَهُ أن تزدانَ مجدِبةٌ
أو يهجَرَ الليلَ
رغمَ السُّهدِ
أسودُهُ؟!
* * *
العارمانِ:
شعورٌ
لستَ تجحدُهُ
رغمَ الهدوءِ
ووهمٌ
لستَ تطردُهُ
الجامحان:
شعورٌ
لا يقيِّدُهُ
شيءٌ
ووهمٌ
ظلامُ الليلِ يولِدُهُ
ظِلاَّكَ يا جَبلاً
ظِلاَّكَ يا رَحِماً
جنينُ بركانِهِ
قد حانَ مولِدُهُ
فدعهما يُنجِبا
ناراً
وعاصِفةً
فَقَد مَللتُ هدوءاً
لستُ أعهدُهُ!!
* * *
يا قلبُ يا مِنبرَ الأفكارِ
يا رجلاً
أحلى الأماني
بسوط الكذبِ
تجلِدُهُ!!
يا خيمةً
في صحارى الخوفِ
قائمةً
والريحُ تنذر مَن فيها
وتوعدُهُ!!
يا غيمةً
أطعَمَتْ
قلبَ الثَّرى
دَمَها
وَلم تُفكِّرْ
بماذا سوفَ تُرعِدُهُ؟!
يا محجراً
ضاعَ في كهفِ الأسى
عُمُراً
وعادَ
لا مقلَةٌ
للنورِ تُرشِدُهُ
* * *
الصمتُ والصوتُ
في أعرافِ قافلتي
سِيَّانِ
لكنَّ صمتَ المرءِ
يُجهِدُهُ!!
فقد يموتُ بقولٍ
لا يُردِّدُهُ
وقد يعيشُ بقولٍ
ليسَ يقصدُهُ!!
الكبتُ كالموتِ
هذا لا يخلِّدُهُ
وذاكَ
في حُفرَةٍ جَرداءَ
يُلحِدُهُ!!
* * *
يا غَابَةَ الألمِ المكبوتِ
ما أرَقِي
إلاَّ لأنَّ مسائي
ماتَ فرقَدُهُ!!
كانَ انتظاريَ
نورَ الفَجرِ
يُبعِدُني
عنِ الهمومِ
فَصارَ الليلُ
يبعدُهُ!!
* * *
يا قلبُ
إنَّا سواءٌ
في مواجِعِنا
فعُمرُنا
ضاعَ في الأيامِ
موعدُهُ!!
لم ينتظرْهُ كِلانا
حينَما أزِفَتْ ساعاتُهُ
فَمَضى
والموتُ مقصَدُهُ!!
***
أينَ القصيدُ
الذي كنا نبعثِرُهُ على الدروبِ
فَنَنْساهُ
وَنفقدُهُ؟!
على الصَّبايا
فهذي ندَّعي وَلَهاً بِها
وتِلكَ بآهاتٍ
نُؤكَّدُهُ!!
نجنِّدُ الحرفَ
تِلوَ الحرفِ
جيشَ هوىً
نَغزُو بِهِ الوَرَقَ الغافي
ونُنجدُهُ!!
في لحظةٍ
نرتأي رأياً
فنَحمِلُهُ على السُّيوفِ
وفي أخرى
نُفنِّدُهُ!!
* * *
هدوءُكَ الآنَ
لا يُجدي
فثُرْ جَلَداً
أنشِدْ بِسيفِكَ
ما لا شيءَ
يُنشدُهُ!!
قَبْلُ امتَشَقتَ حُساماً
لا مثيلَ لَهُ
منَ القصيدِ
وأنتَ اليومَ
مُغمَدُهُ!!
أنتَ الذي مزَّقَتْ كفَّاكَ
كلَّ مدىً
أنتَ الذي
مضربُ الأمثالِ
شُرَّدُهُ
أتحمَدُ الصَّمتَ؟
كلاً
إنَّ قافيةً في نبضِكَ الغَضِّ
تُرغيهِ
وتُزبِدُهُ
فجِّرْ شُعورَكَ
يا قلبي
بوجهِ أسىً
وَافتَحْ بصوتِكَ
باباً
كانَ يوصِدُهُ
واصرخ:
- سأحشُو عُيونَ الشِّعرِ
منْ غَضَبٍ
قد صِيغَ
منْ ألَمٍ مُرٍّ
مُهنَّدُهُ
* * *