شهوة الجنائز - فواغي صقر القاسمي

يا هدأة الليل الملهمة الحميمة ..
ها أنت ِ ترتبين نجومه المطفأة على موائد الحنين
تمشطين شيب الأفول بأصابع الحرير
و تضفرين جدائل القصيدة
تستدرجين النعاس من عيون آلهته
لتـُسكنيها شوارد الأحلام و أثير الأمنيات العِذاب
تسرجين همهمات الشجون كأوشحة للدفء
حين الصقيع يفترس مفاصل الذكرى
توقدين أقمارك الخافتة كأحلام التغاريد
تستجمعين بها شتات الرياحين المبعثرة على سلالم الأنين
و تزرعين خرافة التأويل كأيقونة على ضفاف اليقين
،
و يا ساقي الليل الحنون
ثملة كؤوسك بحشرجات التناهيد
و نشيج الأيام المأزومة
وصانعات الأحزان ، ما تركت للمسرات ليادا ً !
تعبئ قواريرك من حانات البنفسج وغدران الياسمين
تسكبها على تعاشيب المواعيد و دفاتر الذكريات
تشعل الرنود المعتقة
لتعبق بها أنفاس المساءات الحالمة ..
غناؤك المعجون بتمتمات الناي و سقسقات العنادل
يقاسم الأملود المئيد دلاله و النسيم رقة الهبوب
يتسلق العتمات الكئيبة
ليلبسها لذة التراتيل الطروبة
،
يا تلك الأرواح الهائمة كفراشات الروابي
يغريك لهب النار بالتحليق حول شرائك الهلاك
تتراءى لك الشرارت الحارقة
كبوارق التباشير المضيئة
و تسوقك رؤى الممكنات إلى النهايات السحيقة
أيتها الأرواح الهائمة في رحائب الملكوت
مزقي حجب العماء المتكثفة على رياض بصائرك
و اسكبي مداد دمعك على تعاريج الحقول
انظري ...
هل تبصرين؟!
,
من أوهم قلبك ببراعة الألوان
و ملاحم الضوء و صباحات الحقيقة ؟!
هاأنت ذا تلملمين بقاياك المجروحة النازفة
بانكسارات هشيم أمانيك
على حطام مرايا كسيحة شوهاء
تتناثر انعكاساتها على مفارق الشعور
فهل أدركت ِ تلك الحقيقة ..!
،
رحماك بي أيها الليل الرفيق
كم لي بعهدك من قناديل الشجون
أوقدتها احتفاءً بي ..
و ثملتُ بكَ و ثملتَ بي ...
توسدتَ مهجتي و أنا أسامركَ و أسردُ الحكايات
فتتراقص البسمة على ثغرك تارة
وتؤنبني تارات ...
كنت شاهدي على فرحي و حزني
صحوتي و شجوني
انتظاراتي واحتضاراتي...
فما بالك أيها الليل السمير
شاخص الأبصار بعيدا في متاهات الكآبة !
تتحجر دمعات مآقيك اللاهبة
فترتج في أعماقي أعمدة السكون
ودهشة تظل عالقة في عتمات أفولك المباغت
وسراب يغرقها في لجج الشرود
تتلعثم صورك المضطربة
في البوح عن قادمات الفصول !
،
يا وحدتي الموحشة الأليفة
تروضين احتمالات الفقد
و تستجمعين حشود الأزمنة المتثائبة
تكدسين غمائم الخيبات في قعور الغرابيل
و تنشرين على حبل أهدابك النواعس
خرائط القسمات و الرغائب المكبوتة
و تسكبين الضوء على مروج النبوءات
و تغرسين شعلة
في ذيول السحابات الهاربة ..
مسوّرة ذكرياتك
بتساؤلات النجوم الخوافت
و صدأة الأقفال في حاشية الهموم
،
أيها العدم ...
أتقنت عزف مواويلك على رياض شرفات الليل
تزرع الأوهام بسحر اللقاءات الحائرة بين برازخ الرنين
و افتعالات الولوج إلى نوافذ الثرثرات
يرتاب وعيك من انتحار نجومه
أو غبار يسفك الرؤية على أرصفة المواعيد ..
تخلع لباس النشوة عن أعراس الينابيع
و منائر تتلوالتعاويذ و تبسمل بالرؤى
أصمتها انهيار سمائك
و انطفاء صنـّاجة لياليك
فهل كنت تحيك جبة الدرويش بمخالب الخديعة
ترتقها بأسمال رقاع النهايات الكئيبة !
أيها العدم ..
هل كنت تمارس شهوة الجنائز؟!