المرثاة - وحيد خيون
نَبا وطنٌ بالساكنينَ الشّواهدِ
فأطفأ دمعُ العين ِ جمرَ المواقِدِ
ثلاثينَ عاماً غارقونَ بمائِنا
فما بينَ مفقودٍ و ما بينَ فاقدِ
ولو صارَفَتْني النائباتُ بِغَيْرِهِمْ
لَصارَفتُها سبعينَ ألفاً بواحِدِ
ومحروقةٍ بالثلج ِ تغسلُ قلبَها
ومِنْ نارِها تجري إلى كلِّ باردِ
***
***
وخيّمتُ في المنفى أسيرَ تغَرُّبِ
فلا إخوتي , لا أُمَّ حولي ولا أبي
ولا جارَ يُقريني ولا مِن رفيقةٍ
لقد قلّبَتْني الريحُ أسوأ َ مَقْلَبِ
أُطِلّ ُ على زادي ولا ضيفَ جالسٌ
فزادي بلا ملحٍ ٍ وملحٌ بمَشْربي
وتلكَ صفاتٌ أصبَحَتْ شرّ َ وصفةٍ
ويكفيكَ أنْ تُمسي وتُصبِحَ أجنبي
***
***
بلا وجع ٍ تجري السّنونَ بمُوجَع ِ
تُقَطِّعُ أوصالي بنَصْلِي و مِبْضَعِي
أُبادِلُهمْ حُزناً أشدّ َ وقاحة ً
وأكثرَ إيلاما ً بصدري و أضلُعي
إذا صحتُ يا أهلي تهاوتْ مفاصلي
على بعضِها بعضا ً و سالتْ مدامعي
دعي عَجَلاتِ الدّهرِ تأخذ ُ حقَّها
وتُسْرِعُ في هذا الشّتاتِ المُضَيَّع ِ
***
***
طويلٌ عليّ َ الليلُ طولَ حياتي
أُسَلّي جراحاتي بقربِ مماتي
إذا ضاقت الأيامُ أضحكُ ساخرا ً
ألا ضِقْنَ فالموتُ المحتّمُ آتِ
اُعَرِّضُ نفسي للهلاكِ مسالِماً
فيهربُ من وجهي لوجهِ فلاةِ
لقد زادَني ضربُ الليالي شَجاعة ً
إلى حدِّ ضربِ الموتِ بالجَمَراتِ
***
***
وأدخلُ بيتي والمدامعُ مِن قبْلِي
معي كلُّكم رغمَ المسافاتِ يا أهلي
تفقّدْتُكم والدارُ فاقِدة ٌ مِثْلي
فلا حولَ لي مادامَ لا أحدٌ حَولِي
إذا طُرقَ البابُ استفاقتْ جوارِحي
وسارَعتُ في ثوبٍ من الدّمع ِ مُبْتلّ ِ
خلَتْ منكمُ الأيامُ بعدَ تآلُفٍ
إلى حدِّ ما عُدنا لنفرَحَ بالوصل ِ
***
***
عساكم سلاما ً دائما ً وعساني
فداءً لكمْ – دمتُمْ لنا بأمان ِ
أُتابعُ أخبارَ العِراق ِ بأعيُني
لقد شُلّ َ من كثرِ الكلام ِ لساني
أراهم بلا ذنبٍ على كلّ ِ بُقعةٍ
يموتونَ مقتولينَ في رمَضان ِ
أ إنسانة ٌ تهوي لموتِ فقيدِها
ويضحكُ إنسانٌ بعبرةِ ثاني؟
***
***
أنا بعدَكم ما عُدْتُ أقوى على حَمْلي
دَمِي مثلُ ماءٍ فوقَ نارٍ دَمِي يغلي
أنا بعدَكم بينَ الحُفاةِ مُعَطّلٌ
بأفضل ِ حال ٍ لستُ أفضلَ من نعلي
أنا بعدَكمْ مثلُ المغارةِ فارِغ ٌ
أسيرُ ظلام ٍ .. خيرُ مَنْ ألتَقي .. ظِلّي
مُوزّعة ٌ روحي على ألفِ قريةٍ
على كلِّ أنحاءِ العراق ِ, فمَنْ مِثْلي؟
***
***
إذا ناحَ طفلٌ في العِراق ِ بكى حالي
إلى أنْ غدا .. من دمعِهِ .. رجُلٌ خالي
دماءُ العراقيينَ تجري رخيصة ً
و يفخرُ كلبُ الرّوم ِ أنْ دَمُهُ غالي
مُقاومة ٌ فيها نِهاية ُ أهلِنا
وأطفالُنا يغدونَ أشلاءَ أطفال ِ
يُقاومُ أعدائي ويشربُ مِنْ دَمي
يُدافِعُ عني أم يُقطِّعُ أوصالي؟
***
***
لقد غنّتْ الأيامُ دهراً على بابي
فما وَصَلَتْ يوماً للحظةِ إطرابي
أيَطرَبُ قلبي والعراقُ موزّعٌ ؟
ثلاثة َ أجزاءٍ وتسعة َ أبوابِ
أما ملّ َ هذا الطيرُ سقطَ همومِكمْ؟
أنا من حديدٍ أم من الطين ِ أعصابي ؟
أ للحدِّ هذا تجهلونَ وحيدَكمْ ؟
ولم تعرِفوا لليوم ِ يا وطني ما بي