لعل سنا البرق الذي أنا شائم - ابن دارج القسطلي

لعل سنا البرق الذي أنا شائم
يهيم من الدنيا بمن أنا هائم

أما في حشاه من جواي مخايل
أما في ذراه من جفوني مياسم

لقد برحت منه ضلوع خوافق
وقد صرحت منه دموع سواجم

ونفح صبا يهفوا على جنباته
كتصعيد أنفاسي إذا لام لائم

وتحنان دعد صادع لمتونه
كما زفرت نفسي بمن أنا كاتم

وميض تشب الريح والرعد ناره
كما شب نيران المجوس الزمازم

حميل بحمل الراسيات إلى الذي
تحملني عنه القلاص الرواسم

وما أنجدت فيه النجود تصبري
ولا اتهمت وجدي عليه التهائم أ

سوى لوعة لو يغلب الصبر نارها
لشامني البرق الذي أنا شائم

فإن يسق من أهوى فدمعي مسعد
وإن يلقه دوني فأنفي راغم

كفاني التماح الشمس والبدر وجهه
وما اقتبست منه النجوم العواتم

وما تجتني من طيب أردانه الصبا
ومن ورد خديه الرياض النواعم

فلهفي على قرن من الشمس ساطع
تجلله كسف من الليل فاحم

إذا زارني أعشى جفون رقيبه
وأخرس عني ما تقول اللوائم

وآذن أنفاسي ونفسي بنشره
ورياه أنفاس الرياح النواسم

وبشرني من قبله صوت حليه
تجاوبه فوق الغصون الحمائم

إلى ملتقى قلبين ضم عليهما
جوانحه جنح من الليل عاتم

ومعتنق كالجفن أطبق نائما
على ضم إنسانين والدهر نائم

فبتنا وقاضي الوصل يحكم في الهوى
وغانم قلبي بالحكومة غارم

أمص من الكافور مسكا وأجتني
من الوشي رمانا زهته المقادم

ويرجع روح النفس ما أنا ناشق
ويجبر صدع القلب ما أنا لازم

وأرشف من حصباء در وجوهر
رحيق مدام سكره بي دائم

وفي كبدي حر من الشوق لاعج
وفي عضدي غصن من البان ناعم

يقر هواه أنه لي قاتل
وقلبي له من جفوة الشوق راحم

أجنب أنفاسي أزاهر حسنه
لعلمي أن النور بالنار ناهم

وأغمض لحظي عن جنى وجناته
مخافة أن السهم للورد جاهم

وما صرع القتلى كعينيه صارع
ولا كلم الجرى كصدغيه كالم

فإن أشف وجدي من تباريح ظلمه
بضمي له أيقنت أني ظالم

وإن أحي نفسي فيه من ميتة الهوى
بلثمي له لم أعد أني آثم

فكيف وقد غارت به أنجم النوى
وقيد دون الماء حران هائم

متاع من الدنيا أراني فراقه
بعين النهى والحلم أني حالم

وقد صرمته حادثات كأنها
بيمناك يا منصور بيض صوارم

يضرمها أمثالهن كتائب
يقدمها أشباههن عزائم ب

أسنتها للمهتدين كواكب
وأعلامها للمسلمين معالم

وآثارها في الأرض أشلاء كافر
وغاو وفي جو السماء غمائم

وفي كبد الطاغوت منها صوارع
وفي فقر الشيطان منها قواصم

بكل تجيبي إليك انتسابه
وإن أنجيته تغلب والأراقم

ومختار يمناك العلية نسبة
وان سفرت يربوع عنها ودارم

وأذهلهم جدواك عن كل مفخر
وإن فخرت ذهل بها واللهازم

أسود إذا لاقوا وطير إذا دعوا
أيامنهم للمعتدين أشائم

تلمظ في الأيسار منهم أساود
وتهتز في الأيمان منهم أراقم

ظماء وما غير الدماء مشارب
لهن ولا غير القلوب مطاعم

عرست الفلا منها غياضا أرومها
حماة الحمى والصافنات الصلادم

إذا ما دنت من شربها أجنت الردى
وكان جناهن الطلى والجماجم

فأنستك يا منصور روض حدائق
تلاعب فيهن المنى وتنادم

يضاحك في أرض الزمرد شمسها
دنانير من ضرب الحيا ودراهم

وألهتك عن ليل كواكبه المها
وعن أبرج أقمارهن الكرائم

وما شغلت يمناك عن بذل ما حوت
وإن غار منهن الندى والمكارم

فخاصمن بيض الهند فيك إلى العلا
وحق لمن في القرب منك يخاصم

فإن عزها من صدق بأسك شاهد
فقد سنها من عدل حكمك حاكم

بيوم إلى الهيجا ويوم إلى الندى
وما عال مقسوم والا جار قاسم

ونوديت يوم الجود للسلم في العدى
فجدت به والمرهفات رواغم

حذارا على إلف الهوى غربة النوى
وما إلفها إلا الوغى والملاحم

وعودتها طعم السباع فأشفقت
بإغبابه أن تدعيه البهائم

وكلفتها رزق الذئاب فأحشمت
لذيب عوى تحت الدجى وهو صائم

ومنيتها نفس ابن شنج فأسمحت
مسالمة من بعده من تآلم

على أن بعض العفو قتل ومغنم
وما رد ربح الملك في الحرب حازم

أ فإن قتيل السيف للذيب مطعم
وإن قتيل العفو للملك خادم

فيا لبروق لم يزلن صواعقا
على الكفر غيث الأمن منهم ساجم

نقطع بالأمس الرقاب ووصلت
بها اليوم أرحام لهم ومحارم

غدت وهي أعراس لهم وعرائس
وبالأمس موت فيهم ومآتم

بعقد بناء أنت شدت بناءه
وليس له في الأرض غيرك هادم

فرنجة أعلاه وقشتل أسه
وسلمك أركان له ودعائم

فملكت تاج الملك تاج مليكة
لتاجيهما تعنو الملوك الخضارم

وتوجتها فوق الأكاليل والذرى
خوافق تغشاها النسور القشاعم

وحليتها بعد الدماليج والبرا
حليا لآليه القنا والصوارم

وضمختها من طيب ذكرك في الورى
بأضعاف ما تهدي إليها اللطائم

ونظمت آفاق الفلا لزفافها
خيولا حمت ما قلدتها النواظم

منى كان فيها لابن شنج منية
يغرغر منها راهق الروح كاظم

مرجت عليه لج بحرين يلتقي
على نفسه تياره المتلاطم

وغادرته ما بين طودين أطبقا
حتوفا تصادي نفسه وتصادم

وأسلمه الأشياع بوا بقفرة
سراياك أظار عليه روائم

فليس له من ناصر الدين ناصر
وليس له من عاصم الملك عاصم

وقد صدرت عنه خيولك آنفا
وأحشاؤه فيء لها ومغانم

أقاطيع ملء الأرض أصوات خيلها
وأنعامها عما يكن تراجم

يناجي نفوسا حازهن غنائما
بأمنك قد حانت عليها المغارم

وأفعال خفض كنت تشكلها له
برفعك قد أوفت عليها الجوازم

بغزوة ميمون النقيبة ثائر
عزائمه في الناكثين هزائم

وكم طمست عينيه برقة مقدم
تلألأ فيها مجدك المتقادم

تجللها جداك عمرو وتبع
وأعقبها عماك كعب وحاتم

ومن أعربت فيه أعاظم يعرب
فمستصغر في أصغريه العظائم

مآثر لم يسبق إليهن سابق
ولا رامها من قبل سعيك رائم

كسا العرب العرباء منهن مفخر
تصلب منه للوجوه الأعاجم

وشدت بها في الروم والقوط رفعة
تسامي بها عند السها وتزاحم

وصرت بها أقلام ضيفك صرة
تصر لها الآذان بصرى وجاسم

فزودها الركبان شرقا ومغربا
ووافت بها جمع الحجيج المواسم

وما لي لا أبلي بذكرك في الورى
بلاء تهاداه القرون النواجم

وأطلعه شمسا على كل أمة
يكذب فيها عن سنا الشمس زاعم

فيحسدني فيك العراق وشامه
وإياك في عبد شمس وهاشم

بخست إذن سعيي إليك وهجرتي
وما حملت مني إليك المناسم

وبين ضلوعي بضع عشرة مهجة
ظماء إلى جدوى يديك حوائم

تلذ الليالي لحمها ودماءها
وطعم الليالي عندهن علاقم

قطعت بهن الليل والليل جامد
وخضت بهن الآل والآل جاحم

إذا ملأ الهول المميت صدورها
تحرك من ذكراك فيها تمائم

على شدنيات تطير بركنها
إليك خطوب في القلوب جواثم

فكم غال من أجسامها غول قفرة
وخرم على ألبابهن المخارم

وكم عجزت عنا ذوات قوائم
فعجنا بعوج ما لهن قوائم

جاجئ غربان تطير لنا بها
على مثل أطواد الفيافي نعائم

لها من أعاصير الشمال إذا هوت
خواف ومن عصف الجنوب قوادم

يحاجى بها ما حامل وهو راقد
وما طائر في جوه وهو عائم

سرت من عصا موسى إليه قرابة
فطب بفلق البحر والصخر عالم

وشاهد لقم الحوت يونس فاقتدى
فغاد وسار وهو للسفر لاقم

أعوذ بقرع الموج في جنباتها
إليك بنا أن يقرع السن نادم

وما عبرت عنه جسوم نواحل
وما حسرت عنه وجوه سواهم

وما كتبت في واضحات وجوهنا
إليك الدياجي والرياح السمائم

فلا رجعت عنك الأماني حسيرة
ولا فزعت منا لديك التمائم

ولا ختمت عنك الليالي سريرة
ولا فضت الأيام ما أنت خاتم

ولا نظم الأعداء ما أنت ناثر
ولا نثر الأعداء ما أنت ناظم

ولا عدم الإشراك أنك ظافر
ولا عدم الإسلام أنك سالم

ولا زال للسيف الحنيفي قائم
وأنت به في طاعة الله قائم

جهاد على الكفار بالنصر مقدم
ووجه على الإسلام بالفتح