ليَهنَ ويسعد من به سعدَ الفضلُ - أبو الحسن الجرجاني

ليَهنَ ويسعد من به سعدَ الفضلُ
بدارٍ هي الدنيا وسائرهُا فضلُ

بها خيَّم الإقدامُ والحزمُ والنُّهى
وفيها استقر العلمُ والحلمُ والبذلُ

تولَّى له تقديرها رحبُ صدره
على قدرِه والشَّكلُ يُعجبه الشَّكلُ

فجاءت على وفقِ الضَّمير كأنما
تصورتِ الآمال فهي لها مثلُ

بَنِيَّةُ مجدٍ تشهدُ الأرضُ أنها
ستُطوى وما حاذي السماَء لها مثلُ

تُكلِّف أحداقَ العيونِ تخاوُصاً
إليها كأنَّ الناسَ كلَّهمُ قُبلث

منارٌ لأبصارِ السراة وربُّها
منالٌ لآمال العُفَاةِ إذا ضلُّوا

سحابٌ علا فَوقَ السَّحَاب مصاعدا
وأحرِ بأن يَعلوَ وأنت له وبلُ

وقد اسبلَ الخيريُّ كمَّي مفاخر
بصحن به للملك يجتمعُ الشَّملُ

كما طلع النَّسرُ المنيرُ مُصفِّقاً
جَنَاحيه لولا أن مطلَعه غُفل

بَنيتَ على هامِ العداةِ بَنيَّةً
تمكنَ منها في قلوبهمُ الغلُّ

ولو كنت ترضى هامهم شرفاً لها
أتوك بها جُهدَ المقلِّ ولم يألُوا

ولكن أراها لو هَمَمتَ برفعها
أبى الله أن تَعلَوَ عليك فلم تعل

تحُجُّ لها الآمالُ من كُلَّ وجهةٍ
وينحَرُ في حافاتها البخلُ والمحلُ

وما ضرَّها ألا تُقَابلُ دجلة
وفي حافتيها يلتقي الفيضُ والهطلُ

تَجَلَّى لأطراف العراقِ سُعودُها
فَعَادَ إليها الملكُ والأمنُ والعدلُ

كذا السَّعدُ قد القى عليها شعاعَه
فليس لنَحسٍ في مطارِفها فِعلُ

وقالوا تَعدَّى خلقَه في بنائها
وكان وما غيرُ النوال به شُغلُ

فقلتُ إذا لم يُلهه ذاك عن نَدىً
فماذا على العَليَاءِ إن كَانَ لا يخلو

إذا النَّصلُ لم يُذمَم نجاراً وشيمةً
تأنَّقَ في غِمدٍ يُصانُ به النَّصلُ

تملَّ على رغم الحواسد والعدا
عُلاك وعش للجود ما قَبُحَ البُخلُ

ليَهنِ الصاحبَ المسعودَ عيدٌ
تولَّته السعادُة والقبولُ

لهُ من مجدِهِ غُررٌ توالى
عليه ومن مدائِحهِ حُجُولُ

فلا زالت له الأعيادَ تَترى
تتابعُ بينها العمرُ الطويلُ

ولا بَرحَت به الأفلاكُ تجري
على شمسينِ ما لهُما أفُولُ

معاليه المنيرةُ في ذُرَاهَا
وفي الأقطار نائِلُهُ الجزيل