أذكروا، لمّا أروها النديمَا، - صفي الدين الحلي

أذكروا، لمّا أروها النديمَا،
من عُهودِ المِعصارِ عَهداً قَديمَا

فأتتْ تطلبُ القصاص، ولكن
تَجعَلُ العَقلَ في التّقاضي غَريمَا

قَهوَة ٌ أفنَتِ الزّمانَ، فأفنَى
الرَّطبَ من جِرمها وأبقى الصّميمَا

فَغَدَتْ تُثقِلُ اللّسانَ لسرّ الـ
ـسّكرِ منها وتَستَخفّ الحُلومَا

لو حَسا من سُلافِها الأكمَهُ الأخـ
ـرَسُ كأساً لاستَخرَجَ التّقويمَا

وعلى الضدّ لو حساها فصيحُ
أحدثتْ في حديثهِ الترخيمَا

أنبأتنا الأنباءَ عن سالِفِ الدّهـ
ـرِ وعدتْ لنا القرونَ القرومَا

وحكَتْ كيفَ أصبحت فتية ُ الكَهـ
ـفِ رقوداً، خلواً، وكيفَ الرقيمَا

وبماذا تجنبتْ نارُ نمرُو
دٍ خليلَ الإلهِ إبراهيمَا

وغداة َ امتحانِ يونُسَ بالنّو
نِ، وقد كانَ في الفِعالِ مَليمَا

وتشَكّى يَعقوبُ إذ ذهبَتْ عَينا
هُ من حُزنِهِ، وكانَ كَظيمَا

والتناجي بالطورِ، إذْ كلمَ الرّحـ
ـمنُ موسى نبيهُ تكليمَا

ودُعاءَ المَسيحِ، إذ نُعِشَ المَيْـ
ـتُ من رمسهِ، وكانَ رميما

فشَهِدنا لها بفَضلٍ قَديمٍ،
واستَفَدنا منها النّعيمَ المُقيمَا

وفَضَضنا خِتامَها، عن أناها،
فرأينا مزاجها تسنيمَا

وظللنا نحيي بها جوهرَ النفـ
ـسِ، ونسقَى رحيقها المختومَا

في جِنانٍ من الحَدائقِ لا نَسْـ
ـمعُ فيها لغواً ولا تأثيما

بينَ صَحبٍ مثلِ الكَواكِبِ لا تَنْـ
ـظُرُ ما بَينَهم عُتُلاًّ زَنيمَا

وجَعَلنا السّاقي خَليلاً جَليلاً،
يُحسِنُ المَزجَ، أو غَزالاً رَخيمَا

فرأينا في راحة ِ البدرِ شمساً،
اطلعتْ في سما الكؤوسِ نجومَا

وقذفنا بشهبها ماردَ الهـ
ـمّ، فكانَتْ للمارِدينَ رُجُومَا

ولَدَتْ لُؤلؤ الحَبابِ، وكانتْ
قبلَ وَقعِ المِزاجِ بِكراً عَقِيمَا

أخصَبَتْ عند شُربِها ساحَة ُ العَيـ
ـشِ وأمسَى إحوَى أحوَى الهمومِ هَشيمَا

فابتَدِرْها مُدامَة ً تَجلُبُ الرَّو
حَ إلى الرُّوحِ حينَ تَنفي الهُمومَا

واختصِرْ إنّ قُلّها يُنعشُ الرُّو
ح وإفراطها يضرّ الجسُومَا

فارتكِبْ أجمَلَ الذّنوبِ لنَفعٍ،
واعتقدْ في ارتكابهِ كالتحريمَا

ثمّ تُبْ، واسألِ الإلَهَ تَجِدْهُ،
لذُنُوبِ الوَرى غَفوراً رَحِيمَا