مَنْ عَيّرَ الخبْلَ إنساناً، فقد خَبِلا؛ - أبوالعلاء المعري

مَنْ عَيّرَ الخبْلَ إنساناً، فقد خَبِلا؛
هل تحمِلُ الأمُّ إلاّ الثُّكلَ والهبَلا؟

يَعومُ، في اللُّجّ، ركبٌ، يمتطي سُفُناً،
ويَجنُبُ الخيلَ سارٍ، يَركبُ الإبلا

وإنّما هوَ حَظٌّ لا تُجاوِزُهُ،
والسّعدُ غيمٌ، إذا طلّ الفتى، وبَلا

تَبغي الثراءَ، فتُعطاهُ وتُحرَمهُ؛
وكلُّ قَلبٍ على حبّ الغِنى جُبِلا

لو أنّ عِشقَكَ، للدّنيا، له شبَحٌ
أبدَيتَهُ، لملأتَ السّهلَ والجَبَلا

أتَقبَلُ النّصْحَ منّي أم تُضيّعُهُ؛
وربّ مثلِكَ ألغاهُ، فَما قَبِلا

من اهتدى بسوى المَعقولِ أوْرَدهُ،
مَن باتَ يَهديهِ، ماءً طالَما تَبَلا

حِبالَةٌ لا يُرَجّى الظبيُ مَخْلَصَهُ
منها، وأنّى، إذا ليثُ الشرى حُبِلا؟

لا تَرْبَلَنّ، وكنْ رِئبالَ مأسَدَةٍ؛
إنّ الرّشادَ يُنافي البادِنَ الرَّبِلا

خيرٌ لعَمري، وأهدى من إمامِهمُ،
عكّازُ أعمى هدَتْهُ، إذ غدا، السُّبلا

قد أعبَلَتْ شجراتٌ غيرَ عاذبَةٍ،
وسوفَ يُبكِرُ جانٍ يطلُبُ العبلا

تكهّلٌ بَعدَهُ سِنٌّ يُشاكِلُهُ؛
ما أيبَسَ الغُصنُ إلاّ بَعدمَا ذَبلا

إنّ المُسنّ، وقد لاقَى أذًى وشذىً،
يَوَدُّ لوْ رُدّ غضَّ العيشِ مقتَبَلا

يُوصي كبيرُ أعاديهِ أصاغرَهمْ
بقَصدِهِ، فليُعِدّ النَّبلَ والنَّبَلا

تَعَلّل النّاسُ حتى بالمُنى، وسَما
ذو الغَورِ يُهدي، إلى النّجديّةِ، القُبلا

أرى الطّريقينِ: من مَيْتٍ ومن ولدٍ،
لا يَخلوانِ، كلا نَهجَيهِما سُبلا

فلا تُبِنّ لمجرى السّيلِ أخْبِيَةً،
فالحَزْمُ يُنزِلُكَ الأخيافَ والقُبلا

بِلًى لجسمٍ وبلوى حِلفُ مُصطحبٍ،
إن قلتَ: لا، عند أمرٍ عنّ، قال: بلى