فَرَقٌ بدا، ومن الحَوادثِ يَفْرَقُ - أبوالعلاء المعري

فَرَقٌ بدا، ومن الحَوادثِ يَفْرَقُ
شيخٌ يُغادى، بالخطوبِ، ويُطرَقُ

سبحانَ خالِقِنا، وطاءٌ أغبرٌ،
من تحتِنا، ولَه غِطاءٌ أزْرَقُ

والشُّهبُ، في بحرِ السّماءِ، سوابحٌ،
تَطفو لناظِرَةِ العُيونِ، وتَغرَقُ

أعرَقْتَ خَيلَكَ في محاوَلَةِ الغِنى،
وحَواهُ غَيرُكَ مُشئِمٌ، أو مُعرِقُ

وأخو الحِجَى، في أمره، مُتَحَيّرٌ،
جمعَ، التّجاربَ، عُمرُهُ المتفرّقُ

وتَعَهّدَ ابنُ العَبدِ بُرْقَةَ ثهمدٍ،
فمضى وشيكاً، واستَقَرّ الأبرقُ

عزّ الذي أعفى الجَمادَ، فما تَرى
حجراً يَغَصُّ بمأكَلٍ، أو يَشرَقُ

متَعَرّياً في صيفِهِ وشِتائِهِ،
ما ريعَ، قطُّ، لملبسٍ يتَخَرّقُ

متَجَلّداً، أو خِلتُهُ متَبَلّداً،
لا دَمعَ فيهِ، بفادحٍ، يترقرَقُ

لا حِسّ يؤلمهُ، فيُظهرُ مُجزَعاً،
إن راحَ يَضرِبُ مِلطَسٌ، أو مطرقُ

لم يَغدُ غُدوَةَ طائرٍ متَكَسِّبٍ،
وافاهُ، يلقطُ، أجدَلٌ أو زُرّقُ

أحِمامُ ما لكَ في ركوبِ حَمائمٍ
وُرقٍ، ومن شرّ الرّكابِ الأوْرَقُ؟

والصّخرُ يَلبَثُ، لا يُقارِفُ مرّةً
ذَنباً، ولا هو، من حياءٍ، مُطرِق

والدّهرُ أخرقُ، ما اهتدى لصنيعة،
وبَنوهُ كلُّهمُ سَفيهٌ أخرَق

وتَشابهَتْ أجسامُنا، وتَخالَفَتْ
أغراضُنا، فمغرِّبٌ ومُشرِّقُ

يا هِمُّ! ويحَكَ غَيّرَتْكَ نَوائِبٌ؛
والغُصنُ يُورِقُ، في الزّمان، ويُورَق

ملأتْ صَحِيفتَكَ الذّنوبُ، وفعلُكَ
الحِبرُ الأحمُّ، وفَودُ رأسك مُهرَق

وكأنّما نُفِضَ الرّمادُ، كآبةً،
فوقَ الجَبينِ، وقلبُكَ المُتَحَرّق

لِصُّ الكَرى مَلَكَ الرّدى، في زَعمهم؛
إنّ الحَياةَ، من الأنامِ، لتُسرَق

مَن يُعطَ شيئاً يُستَلَبهُ، ومن يَنَم،
جِنحَ الظّلامِ، فإنّهُ سيؤرَّق

زُجِرَ الغُرابُ، تطيّراً، ونَقيضُهُ
ديكٌ، لأهلِ الدّارِ، أبيَضُ أفرق

هذا السّفاهُ، كأنّنا حمضِيّةٌ،
أو خَيطُ بلقعةٍ غَذاهُ العِشرق