وعَظَ الزّمانُ، فما فهمتَ عظاتِه، - أبوالعلاء المعري

وعَظَ الزّمانُ، فما فهمتَ عظاتِه،
وكأنّهُ، في صَمتِهِ، يَتَكَلّمُ

لو حاوَرَتكَ الضّأنُ قال حَصيفُها:
الذّئبُ يظلِمُ، وابنُ آدمَ أظلَم

أطرَدتَ عنّا فارِساً ذا رُجلَةٍ،
ساقتْهُ حاجتُهُ وليْلٌ مُظلِم

ويَزيدُهُ عُذْراً، لدينا، أنّهُ
سدرَانُ، ليسَ بعالِمٍ ما تَعلَم

تهوَى سلامَتَنا وترعَى سَرْحَنا
وحرَابُ ضارٍ من حرابِكَ أسلَم

أظفارُكَ اسْتَعلتْ إلى أظفارِهِ
بأساً، وتلكَ وقَتْ وهذي تُقْلَم

لو كان غُصناً، في المَنابتِ، ناضراً،
لألَمّ يذبُلُ يذبُلٌ ويَلملَم

صَبراً على دُنياكَ يَنقضِ حِينُها،
فكأنّها حُلمٌ بنَومٍ يُحْلَم

ولرُبّما قضَتِ الأناةُ مآرِباً
من نازِحٍ، ولكلّ عالٍ سُلّم

والنّاسُ شتّى من حُلومٍ: مُظهراً
جَهلاً يَعُرُّ، وجاهلٌ يَتَحَلّم

فارَقتَ فاستَعْلَتْ همومُك والمدى
يأسو، بطولِ مرورِهِ، ما يُكلَم

وإذا يَدٌ قُطِعَتْ، فإنّ عشيرَها،
لو حُرِّقَتْ بالنّارِ، لا يتَألّم