يُباينُ شكلٌ غيرَه، في حَياتِه، - أبوالعلاء المعري

يُباينُ شكلٌ غيرَه، في حَياتِه،
فإنْ هَلَكا، لم تُلفِ، بينهما، فَرْقا

ومَن يَفتَقِدْ حالَ الزّمانِ وأهلَه،
يذُمُّ بهم غَرْباً، من الأرضِ، أو شرقا

يجدْ قولَهمْ مَيناً، ووِدَّهُمُ قِلًى،
وخَيرَهمُ شرّاً، وصَنعَتَهمْ خُرْقا

وبِشرَهُمُ خَدْعاً، وفَقرَهمُ غِنىً،
وعِلمَهمُ جَهلاً، وحِكمتَهم زَرقا

أحيَّ كلابٍ! كم رعَى النّبتَ قَبلكم
فريقٌ، وشاموا، في حَنادِسهم، برْقا

وصابوا على عافٍ، وآبوا إلى رضًى،
وجابُوا إلى عَلياءَ نازحةٍ خَرْقا

وليلاً طَلَى قاراً بقارٍ، وأُكمُهُ
مراقبَةٌ، من شُهبِه، حَدَقاً زُرْقا

إذا نَشأتْ فيهِ الغَمامةُ خِلتَها،
بإيماضِها، زِنجِيّةً فصَدَتْ عِرْقا

ومَرّوا بمقصودِ الحِمامِ، فغادروا
خوالِدَ ضمّتْ فيهِ أفرُخَها الوُرْقا

رأينا شؤونَ الدّهرِ خَفضاً ورِفعَةً،
ونحنُ أُسارى، في الحوادثِ، أو غرْقى

هوى مُعتلٍ، كالغيثِ مِ المُزْنِ، واعتلى
خفيضٌ، كنقعٍ، من لدُنْ حافرٍ، يرْقى

فَلا تأمَنوا شاميّةً يَمَنيّةً
تُعادي، فلا تُبقي خِباءً ولا فِرقا

يُخَرِّقُ، دِرْعَ المَرءِ، سمرُ رِماحِها،
وإنْ كانَ مُرّاً، في مَذاقته، خَرقا

إذا طَلَبوا أقصى العُلا اتّخَذوا له،
بصُمّ العَوالي، في ترائبِكم، طُرْقا

إذا كُنتُمُ أوراقَ أثلٍ زَهَوْا لكُمْ
جَرادَ نِبالٍ، كيْ تُبيدَكمُ، وَرْقا

أطارِقَ همٍّ ضافَ، هل أنتَ عاذِرٌ،
متى لم تجدْ بي، عند مرتحلٍ، طِرقا؟

وأعوَزَني ماءٌ أُزيلُ بهِ الصّدَى،
فلا عيشَ، إنْ لم أشرَبِ الكدِرَ الطَّرْقا

همُ النّاسُ، أجبالٌ شوامخُ في الذُّرى،
وأوديَةٌ لا تَبلُغُ الأُكمَ والبُرْقا

فسكرانُ يُسترقَى، ويبذُلُ بُسلَةً،
وآخرُ صاحي اللُّبّ، يغضَبُ أن يُرْقى