أَضاءَ بُرَيْقٌ بِالعُذَيْبِ كَليلُ - الأبيوردي

أَضاءَ بُرَيْقٌ بِالعُذَيْبِ كَليلُ
فَثِنْيُ نِجادي لِلدُّموعِ مَسيلُ

تَناعَسَ في حِضْنِ الغَمامِ كَأَنَّهُ
حُسامٌ رَميضُ الشَّفْرَتيْنِ صَقيلُ

يُنيرُ سَناهُ مَنْزِلَ الحَيِّ بِاللِّوى
وَيُسْديهِ مِرْزامُ العَشِيِّ هَطولُ

وَأَلْحَظُهُ شَزْراً بِمُقْلَة ِ أَجْدَلٍ
لَهُ نَطَراتٌ كُلَّهُنَّ عَجولُ

يُراعِي أَساريبَ القَطا عَصَفَتْ بِها
مِنَ الرِّيحِ هَوْجاءُ الهُبوبِ بَليلُ

فَأَهْوَى إليها ، وَهْوَ طاوٍ وَعِنْدَهُ
أُزَيْغِبُ مُصْفَرُّ الشَّكيرِ ضَئيلُ

بِأَقْنى على أَرْجائِهِ الدَّمُ مائِرٌ
وَحُجْنٍ حَكَتْ أَطْرافَهنَّ نُصولُ

فَرُحْنَ وَما مِنْهُنَّ إلاّ مُطَرَّحٌ
جَريحٌ وَمَنْزوفُ الحَياة ِ قَتيلُ

فَآهاً مِنَ البَرْقِ الذي بَزُّ ناظِري
كَراهُ ، وَأَسْرابُ الدُّموعِ هُمولُ

تَأَلَّقَ نَجِدّياً--فَحَنَّتْ نُوَيْقَة ٌ
يُجاذِبُها فَضْلُ المِراحِ جَديلُ

وَبي ما بِها مِنْ لَوْعَة ٍ وَصَبابَة ٍ
وَلكنَّ صَبْرَ العَبْشَمِيِّ جَميلُ

وَما ليَ إلاّ البَرْقُ يَسْري أَوِ الصِّبا
إلى حَيثُ يَسْتَنُّ الفُراتُ، رَسولُ

تَحِنُّ إلى ماءِ الصَّراة ِ رَكائِبي
وَصَحْبي بِشَطَّيْ زَرْنَروذَ حُلولُ

أَشَوْقاً وَأَجْوازُ المَهامِهِ بَيْنَنا
يَطيحُ وَجيفٌ دُونَها وَذَميلُ

أَلا ليْتَ شعْري هل أراني بغِبطة ٍ
أَبِيتُ على أرْجائِها وَأقيلُ

هَواءٌ كَأَيَّامِ الهَوى ، لا يُغِبُّهُ
نَسيمٌ ، كَلَحْظِ الغانِياتِ ، عَليلُ

وَعَصْرٌ رَقيقُ الطُّرَّتَيْنِ تَدَرَّجَتْ
على صَفحَتَيْهِ نَضْرَة ٌ وَقَبُولُ

وَأَرْضٌ حَصاها لُؤْلُؤٌ وَتُرابُها
تَضَوَّعَ مِسْكاً، وَالمياهُ شَمُولُ

بِها العَيْشُ غَضٌّ ، والحياة ُ شَهِيَّة ٌ
وَلَيْلي قَصيرٌ، وَالهَجيِرُ أَصيلُ

فَقُلْ لأَخِلاَّئي بِبَغْدادَ هَلْ بِكُمْ
سُلُوٌّ؟ فَعِندي رَنَّة ٌ وَعَويلُ

تُرَنِّحُني ذِكْرَاكُمُ فَكَأَنَّما
تَميلُ بِيَ الصَّهْباءُ حِينَ أَميلُ

لِئَنْ قَصُرَتْ أَيّامُ أُنسي بِقُرْبِكُمْ
فَليلي عَلَى نَأيِ المَزارِ طَويلُ

وَحَوْلي قَوْمٌ يَعْلَمُ اللّهُ أَنَّني
بِهمْ - وَهُمُ بي يَكْثُرونَ- قَليلُ

إذا فَتَّشَ التَّجْريبُ عَنْهُمْ تَشابَهَتْ
سَجايا كَأطْرافِ الرِّماحِ ، شُكولُ

وَلَوْ لَمْ نَرِمْ بَطْحاءَ مَكَّة َ أَشْرَقَتْ
بِها غُرَرٌ مِنْ مَجْدِنا وَحُجولُ

إذا ذُكِرَتْ آلُ ابنِ عَفَّانَ أَجْهَشَتْ
حُزونٌ، وَرَنَّتْ بِالحِجازِ سُهولُ

بِرَغْوِ العُلا تُمْسي وَتُصْبِحُ دُورُهمْ
وَهُنَّ رُسومٌ رَثَّة ٌ وَطُلولُ

تُرَشِّحُ أُمُّ الخِشْفِ أَطْلاءها بِها
وَتُسْحَبُ فيها لِلريَّاحِ ذُيولُ

أثِرْها أَبا حَسَّانَ حُدْباً كَأَنَّها
نُسُوعُ على أَوساطِهِنَّ تَجولُ

فقد أنْكَرَ الياسْ النَّزاريُّ مُكثَنا
وَخِندْفِ بِنْتُ الحِمْيَريِّ عَذولُ

إذا لَمْ تُنَوِّهْ بِالمَكارِمِ هِمَّتي
تَشَبَّثَ بي -حاشا عُلايَ- خُمولُ

تُعَيُّرُني بِنْتُ المُعاوِيِّ غُرْبَتي
وَكُلُّ طُلوعٍ يَقْتَفيهِ أُفولُ

وَتَعْجَبُ أنَّي مِنْ مُمارَسَة النَّوى
نَحيفٌ ، وفي مَتْنِ القَناة ِ ذُبولُ

لِئَنْ أَنْكَرَتْ مِنّي نُحولاً فَصارِمي
يُغازِلُهُ في مَضْرِبَيْهِ نُحولُ

وَلَمْ تُبْدِعِ الأَيّامُ فِيَّ بِنَكبَة ٍ
فَبَيْني وَبَيْنَ النَّائِباتِ ذُحولُ