هُوَ الطَّيْفُ تُهْدِيهِ إِلى الصَّبِّ أَشْجانُ - الأبيوردي

هُوَ الطَّيْفُ تُهْدِيهِ إِلى الصَّبِّ أَشْجانُ
وَلَيْسَ لِسِرٍّ فيكَ يالَيلُ كِتمانُ

يُحَدِّثُ عَنْ مَسْراهُ فَجْرٌ وَبارِقٌ
أَفَجرُكَ غَدّارٌ وَبَرقُكَ خَوّانُ.

إذا أدَّرَعَ الظَّلماءَ نمَّ سَناهُما
عَلَيهِ، فَلَمْ يُؤْمَنْ رَقيبٌ وَغَيْرانُ

وَلَيلَة ِ نَعمانٍ وَشى البَرْقُ بِالهَوى
أَلا بِأبي بَرقٌ يَمانٍ وَنَعمانُ

سَرى وَالدُّجى مُرخى ً عَلَينا رِواقُها
يُلوّي المَطا وهنا كَما مارَ ثُعبانُ

وَنَحنُ بِحَيثُ المُزنُ حَلَّ نِطاقَهُ
وَرَفَّ بِحِضْنَيْهِ عَرارٌ وَحَوْذانُ

وَلِلرَّعْدِ إِعْوالٌ، وَلِلرّيحِ ضَجَّة ٌ
وَلِلدَّوْحِ تَصْفِيقٌ، وَلِلوُرْقِ إِرْنانُ

فَللّهِ حُزْوى حينَ أَيْقَظَ رَوْضَها
رَشاشُ الحَيا والنَّجْمُ في الأفْقِ وَسْنانُ

إذا ما النَّسيمُ الطَّلْقُ غَازَلَ بانَها
أَمالَ إلَيهِ عِطْفَهُ وَهْوَ نَشوانُ

ولَو لَمْ يَكُنْ صَوْبُ الغَمامِ مُدامَة ً
تُعَلُّ بِها حُزْوى لَما سَكِرَ البانُ

وَكَمْ في مَحاني ذلكَ الجِزْعِ مِنْ مَها
تُجاذِبُها ظِلَّ الأَراكَة ِ غِزلانُ

يَلُذْنَ إذا رُمْنَ القِيامَ، بِطاعة ٍ
مِنْ الخَصْرِ يَتلوها مِنَ الرِّدْفِ عِصْيانُ

وَيُخجِلنَ بالأَغصانِ بانَة ٍ
وَتَهزَأُ بِالكُثبانِ مِنْهُنَّ كُثْبانُ

سَقى اللّه عَصْراً قَصَّرَ اللَّهْوُ طُولَهُ
بِها، وَعَلَينا للِشَّبيبة ِ رَيعانُ

يَهَشُّ لِذِكراهُ الفُؤادُ، وَلَلهوى
تَباريحُ لا يُصغي إليهنّ سُلوانُ

وَتَصْبو إلى ذاكَ الزَّمانِ، فَقَد مضَى
حَميداً وَذُمَّتْ بَعْدَ رامَة َ أَزْمانُ

إذِ العَيْش غضٌّ ذُلِّلَتْ لي قُطوفُهُ
وَفَوْقَ نِجادِي لِلذَّوائِبِ قِنْوانُ

أَروحُ على وَصلٍ وَأَغدو بِمثلِهِ
وَوِرْدُ التَّصابي لَمْ يُكَدِّرْهُ هِجرانُ

وَأَصْحَبُ فِتياناً تَراهُمْ مِنَ الحِجى
كُهولاً وَهُمْ في المأزِقِ الضَّنكِ شُبانُ

يَخُبُّ بِنا في كُلِّ حَقٍّ وَباطِلٍ
أَغرُّ وَجيهيٌّ وَوَجناءُ مِذعانُ

كَأنّي بِهم فَوقَ المَجرّة ِ جالِسٌ
لي النَّجمُ خِدنٌ وابنُ مُزنَة َ نَدمانُ

وَكَأْسٍ كَأَنَّ الشَّمْسَ أَلْقَتْ رِداءَهَا
عَلَيها بِحَيثُ الشُّهْبُ مَثْنى وَوُحدانُ

إذا استَرقَصَ السَّاقي بَمَزجٍ حَبابها
تَرَدّى بِمثلِ اللُّؤلؤِ الرَّطبِ عقيانُ

فيا طِيبَها والشَّربُ صاحٍ وَمنتَشٍ
تَخِفُّ بِها أَيدٍ، وَتَثقُلُ أَجفانُ

دَعاني إليها مِن خُزَيمَة َ ماجِدٌ
يَزُرُّ عَلى ابن الغابِ بُرْدَيْهِ عَدْنانُ

كَثيرٌ إليهِ النّاظِرونَ إذا بَدا
قَليلٌ لَهُ في حَوْمَة ِ الحَرْبِ أقرانُ

رَزينُ حُصاة ِ الحِلمِ، لا يَستَزِلُّهُ
مُدامٌ، وَلا تُفشي لهُ السِّرَّ أَلحانُ

إذا رَنَّحَتْهُ هِزَّة ُ المَدْحِ أَخْضَلَتْ
سِجالُ أَيَادِيهِ، وَلِلحَمْدِ أَثْمانُ

تُروِّي غَليلَ المُرْهَفاتِ يَمينُهُ
إذا التَثَمَتْ في الرَّوعِ بِالنَّقعِ فُرسانُ

وَمُلْتَهباتٍ بالوَميضِ يُزيرُها
مَوارِدَ يهديها إلَيْهنَّ خِرْصانُ

تَحومُ عَلى اللَّبَّاتِ حَتّى كَأَنَّها
إذا أُشْرِعَتْ للِطَّعْنِ فيهنَّ أَشْطانُ

بِيوْمٍ تَرى الرّاياتِ فيهِ كَأَنَّها
- إذا ساوَرَتْها خَطْرة ُ الرِّيح- عِقبانُ

إذا ما اعْتَزَى طارَتْ إلى الجُرْدِ غِلْمَة ٌ
نَماهُمْ إلى العَلياءِ جِلدٌ وَرَيّانُ

سَأَلْتُهُمُ: مَنْ خَيْرُ سعْدِ بنِ مالِكٍ
إذا افتخَرَتْ في نَدوة ِ الحَيِّ دوُدان

فَقالُوا: بِسَيْفِ الدَّوْلَة ابنِ بَهائِها
تُناضِحُ عَدنانٌ إذا جاشَ قَحْطانُ

قَريعا نِزارٍ في الخُطوبِ، إذا دَجَتْ
أَضاءَتْ وُجوهٌ، كَالأَهلَّة ِ غُرَّانُ

يَلوذُ بَنو الآمالِ في كَنَفَيْهما
عَلى حينَ لاتَفْدي العَراقِيبَ أَلْبانُ

بِلَيثَي وغى ً، غَيثَي نَدى ً، فَكِلاهُما
لَدى المَحْلِ مِطْعامٌ، وفي الحَرْبِ مِطْعانُ

هُما نَزَلا مِنْ قَلْبِ كُلِّ مُكاشِحٍ
بِحَيثُ تُناجي سَورة َ الهَمِّ أَضعانَ

مِنَ المَزْيَدِيّينَ الأُلَى في جَنابِهمْ
لِمُلْتَمِسي المَعْروفِ أَهْلٌ وأَوطانُ

نَماهُم أَبو المِظفارِ وَهْوَ الّذي احتمَى
بِهِ حاتِمٌ إذْ شُلَّ لِلْحَيِّ أَظْعانُ

لَهُمْ سَطَواتٌ يَلْمَعُ المَوتُ خَلفَها
وَظِلٌّ حَبا مِنْ دُونِهِ الأَمْنُ فَينانُ

وَأَفْنِيَة ٌ مُخضَرَّة ٌ عَرَصاتُها
تَزَاحَمَ سُؤَّالٌ عَلَيها وَضِفانُ

ذَوُو القَسَماتِ البِيضِ وَالأُفْقُ حالِكٌ
مِنَ النَّقْعِ كاسٍ وَالمُهنَّدُ عُريانُ

وَأَهلُ القِبابِ الحُمْرِ والنَّعَمِ التي
لَها العِزُّ مَرْعى ً وَالأَسِنَّة ُ رُعْيانُ

وَخَيلٍ عَلَيها فِتْيَة ٌ ناشِرِيَّة ٌ
طَلائِعُهُمْ مِنْها عُيونٌ وَآذانُ

هُمُ مَلَؤوا صَحْنَ العِراقِ فَوارِساً
كَأَنَّهُمُ الآسادُ، وَالنَّبْلُ خَفَّانُ

يَخوضُ غِمارُ المَوْتِ مِنْهُمْ غَطارِفٌ
رِزانٌ لَدى البيضِ المَباتيرِ شُجعانُ

بِكُلِّ فَتى ً مُرْخَى الذُّؤابَة ِ باسِلٍ
عَلى صَفْحَتيهِ لِلنَّجابَة ِ عُنوانُ

يُجَرِّرُ أَذيالَ الدُّروعِ، كَأَنَّهُ
غَداة َ الوَغى صِلٌّ تُوارِيهِ غُدْرانُ

وَيُكرِمُ نَفساً، إنْ أُهينَتْ أَراقَها
بِمُعْتَرَكٍ يُروي القَنا وَهْوَ ظَمآنُ

لَهُ عِمَّة ٌ لَوْثْاءُ تَفْتَرُّ عَنْ نُهى ً
عَلِمنا بِها أَنَّ العَمائِمَ تيجانُ

إذا مارمَى تاجُ المُلوكِ بِهِ العِدا
تَوَلَّوا كَما ينصاعُ بالقاعِ ظِلْمانُ

أَغَرُّ، إذا لاحَت أسِرَّة ُ وجههِ
تَبَلَّجْنَ عَنْ صُبْحٍ، وَلِلَّيْلِ إجْنانُ

مَنيعُ الحِمَى ، لا يَخْتِلُ الذِئْبُ سَرْحَهُ
وَمِنْ شِيمِ السِّرحانِ خَتْلٌ وَعُدوانُ

لَهُ هَيبة ٌ شِيبت بِبشرٍ كَما التَقَتْ
مِياهٌ بِمَتْنِ المَشْرَفيِّ وَنيرانُ

وَبَيْتٌ يمِيسُ المَجْدُ حَوْلَ فِنائِهِ
وَجيرانُهُ لِلأَنجُمِ الزُّهرِ جيرانُ

فَأَطْنابُهُ أَسْيافُهُ، وَعِمادُهُ
رُدَينِيَّة ٌ مُلْسُ الأَنَابيبِ مُرَّانُ

وَلَو كانَ في عَهْدِ الأَحاليفِ أَعْصَمَتْ
بِهِ أَسَدٌ يَوْمَ النِّسارِ وذَبْيانُ

أَيا خَيرَ مَنْ يَتلوهُ في غَزَواتِهِ
على ثِقَة ٍ بالشَّبعِ، نَسرٌ وسِرحانُ

دَعَوْتُكَ لِلْجُلَّى فَكَفْكَفَ غَرْبَها
هُمامٌ، أَياديهِ على الدَّهرِ أَعوانُ

رَفعتَ لِصَحبي ضوءَ نارٍ عَتيقة ٍ
بِهَا يَهتدي السّارونَ والنَّجْمُ حَيرانُ

وَفاءَ عَلَيْهمْ ظِلُّ دَوْحَتِكَ الّتي
تُناصي السُّها مِنها فُروعٌ وَأَفْنانُ

فَلَمْ يَذْكُروا الأوْطانَ وَهْيَ حَبيبَة ٌ
إلَيْهمْ، وَلا ضاقَتْ عَلى العِيسِ أَعطانُ

ومَا المَجْدُ إلاّ نَبْعَة ٌ خِنْدِفِيَّة ٌ
لهَا العُرْبُ جِيرانٌ وَدودانُ أَغْصانُ