نهاكَ عنِ الغواية ِ ما نهاكا - بهاء الدين زهير

نهاكَ عنِ الغواية ِ ما نهاكا
وَذُقْتَ منَ الصّبابَة ِ ما كَفاكَا

وطالَ سُرَاكَ في لَيلِ التّصَابي
وقد أصبحتَ لم تحمدْ سراكا

فَلا تَجزَعْ لحادِثَة ِ اللّيالي
وَقُل لي إن جزِعتَ فما عَساكَا

وكيفَ تلومُ حادثة ً وفيها
تبينَ منْ أحبكَ أوْ قلاكا

برُوحي مَنْ تَذوبُ عليهِ رُوحي
وَذُقْ يا قلبُ ما صَنَعَتْ يداكَا

لعمري كنتَ عن هذا غنياً
ولم تعرفْ ضلالكَ من هداكا

ضنيتُ منَ الهوى وشقيتُ منهُ
وأنتَ تجيبُ كلَّ هوى ً دعاكا

فدعْ يا قلبُ ما قد كنتَ فيهِ
ألَستَ ترَى حَبيبَكَ قد جَفاكَا

لقد بلغتْ بهِ روحي التراقي
وَقد نَظَرَتْ بهِ عَيني الهَلاكَا

فيا مَنْ غابَ عني وَهوَ رُوحي
وكيفَ أُطيقُ مِنْ رُوحي انفِكاكا

حبيبي كيفَ حتى غبتَ عني
أتَعْلَمُ أنّ لي أحَداً سِوَاكَا

أراكَ هجرتني هجراً طويلاً
وَما عَوّدْتَني منْ قَبلُ ذاكَا

عَهِدْتُكَ لا تُطيقُ الصّبرَ عني
وَتَعصي في وَدادِي مَنْ نَهاكَا

فكَيفَ تَغَيّرَتْ تِلكَ السّجايَا
وَمَن هذا الذي عني ثَنَاكَا

فلا واللهِ ما حاولتَ عذراً
فكُلّ النّاسِ يُعذَرُ ما خَلاكَا

وما فارقتني طوعاً ولكنْ
دَهاكَ منَ المَنيّة ِ ما دَهَاكَا

لقد حكمتْ بفرقتنا الليالي
ولم يكُ عن رضايَ ولا رضاكا

فلَيتَكَ لوْ بَقيتَ لضُعْفِ حالي
وكانَ الناسُ كلهمُ فداكا

يعزّ عليّ حينَ أديرُ عيني
أفتشُ في مكانكَ لا أراكا

وَلم أرَ في سِوَاكَ وَلا أرَاهُ
شمائلكَ المليحة َ أو حلاكا

خَتَمْتُ على وَدادِكَ في ضَميري
وليسَ يزالُ مختوماً هناكا

لقد عجلتْ عليكَ يدُ المنايا
وما استوفيتَ حظك من صباكا

فواأسَفي لجِسمِكَ كَيفَ يَبلى
ويذهبُ بعدَ بهجتهِ سناكا

وما لي أدعي أني وفيٌّ
ولستُ مشاركاً لكَ في بلاكا

تموتُ وما أموتُ عليكَ حزناً
وَحق هوَاكَ خُنتُكَ في هوَاكَا

ويا خجلي إذا قالوا محبٌّ
ولم أنفعكَ في خطبٍ أتاكا

أرَى الباكينَ فيكَ مَعي كَثيراً
وليسَ كمنْ بكى من قد تباكى

فيا مَن قد نَوَى سَفَراً بَعيداً
متى قُلْ لي رجوعُكَ من نَوَاكَا

جزاكَ اللهُ عني كلّ خيرٍ
وَأعْلَمُ أنّهُ عني جَزَاكَا

فيا قبرَ الحبيبِ وددتُ أني
حملتُ ولوْ على عيني ثراكا

سقاكَ الغيثُ هتاناً وإلاّ
فحسبكَ من دموعي ما سقاكا

وَلا زَالَ السّلامُ عَلَيكَ مني
يرفّ مع النسيمِ على ذراكا