كفاني من زماني ما أقاسي - إبراهيم بن عبد القادر الرِّيَاحي

كفاني من زماني ما أقاسي
ومن أهليه ما بالقلب راسي

زمانٌ ما له بالنّاس مَيْزٌ
بالحمير أَلْوَى جناسي

فدهرٌ بالحقيقة غير دهر
وناس في الحقيقة غير نَاسِ

أعمّم في الجميع ولا أحاشي
وأقصده وإني غير قاسِ

وما أنا فيهمُ إلاّ غريب
وإن كَثُرَ المُؤَاخي والمُوَاسي

ولولا سِحْرُ أَلْحَاظٍ نِيَامٍ
سَبَاني صحّ من دنياي آسي

تصول به الظِّبَاءُ على أسودٍ
فتخضع ما رأت غابُ الكِناس

ففي كلّ القلوب لها جِرَاحٌ
وفي كلِّ الجفونِ لها مُقاسِ

وذَابَ لِفَتْكِهَا ما هو صَلْبٌ
ولان لفعلها ما هو قَاسِ

فلستَ تَرى سوى صُبٍّ صريع
يقاسي في الصبابة ما يقاسي

وكلُّهُمُ وإنْ تاهُوا فَمِنِّي
قَدِ اقْتَبَسُوا الهوى بَعْضَ اقْتِباسِ

ومَنْ في النّاس لازمه عذابٌ
تزول لِحَمْلِهِ الشُمُّ الرّواسي

وكلّفه الهوى بأساً شديداً
إلى غَوْلٍ من النّاس الخِسَاسِ

سوى هذا القتيلِ ولا قتيلٌ
كمقتولِ العناء من النّعاس

ولا مثلَ النِّصالِ نِصَالُ جَفْنٍ
يُجَرِّحْنَ القلوبَ بلا مساس

على صفحات مُقْمَرٍّ جبينٍ
وخدٍّ وَرْدُه من تحت آسِ

به داءُ العضال وهَلْ لِصَبٍّ
سوى وَصْلِ المحبِّ فُدِيتَ آسي

غزالٌ لا يُحاكيه غَزالٌ
وشمسٌ نورُها للكَوْن كاسي

أَغَيْرَ المصطفى أبغي بِجِدِّي
أفي خَيْرِ الْبَرَايَا مِنِ الْتِبَاسِ

من العُرْبِ الكِرام أنار لمّا
أُرِيدَ هناك تصحيحُ الأساس

وَأَوْمَضَ في اللَيَالي السُّودِ حتّى
أبان الدّينَ من بَعْدِ انْدِرَاسِ

وَأَطْلَعَ في سماء الدّين شُهْباً
لها بين الورى أَيّ احْتِرَاسِ

فصار الدّينُ ذا وجهٍ صحيحٍ
ومُلْكُ الحقِّ منصوب الكراسي

وعاد الكُفْرُ من بعد اعْتزازٍ
حليفَ الذُّلِ محكومَ الدِّراس

فَيَا كَمْ هَدَّ مِنْ قَصْرٍ مَشِيدٍ
وفرّق بين جثمانٍ ورأس

بأبطالٍ تدين القِرنَ جبناً
وتكسوه الدّماَء من اللِّباسِ

عليهم ما شَدَا في النّاس شَادٍ
سلامٌ كُلَّ آنٍ في اعْتِراس