ماذا يُحاوِلُ مِثلي في قَوافيهِ - شكيب أرسلان

ماذا يُحاوِلُ مِثلي في قَوافيهِ
وَإِن تَكُن جَمَعتُ كُلَّ القُوى فيهِ

مِن مَدحٍ مِن حينِ لاحَت لي مَكانَتُهُ
مِنَ العُلا لَم أَصوبَ رَأيَ مَدحِيهِ

تَعنو المَعاني لَدَيهِ وَهيَ صاغِرَةٌ
كَأَنَّها في البَرايا مِن جَواريهِ

تَأتي سِواهُ فَتَسمو فَوقَ هامِهِم
وَتَنتَحيهِ فَلا تَرقى مَواطيهِ

رَبُّ المَقامِ الَّذي باتَت تَحِفُّ بِهِ
غُرُّ الفَضائِلِ تَعليهِ وَتَغليهِ

قَد حازَهُ وَاللَيالي مِن مَوانِعِهِ
مِن دونِهِ وَالعَوادي مِن عَواديهِ

بِفِكرَةِ ما اِنتَضى في الخَطبِ صارِمَها
إِلّا تَمَكَّنَ قَطعاً مِن هَواديهِ

أَذَلَّ كُلَّ جِماحٍ لِلزَمانِ بِها
وَلا حُسامَ وَلا رُمحَ يُرَوّيهِ

وَإِنَّما الفِكرُ إِذا صَحَت مَبادِئُهُ
عَنِ الجُيوشِ غَدا وَاللَهُ يُغنيهِ

فَهوَ الَّذي كُلُّ رَأيٍ مِنهُ مُنبَلِجُ
في الرَوعِ عَن كُلِّ فَجرٍ في حَواشيهِ

مَن يَكشِفِ الأَمرَ خافيهِ كَظاهِرِهِ
وَيَبلُغُ القَصدَ قاصيهِ كَدانيهِ

ما إِن جَلا عِلمُهُ في مَطلَبِ لُبِّك
إِلّا وَأَسفَرَ صُبحاً عَن دَياجيهِ

مُجَدِّدَ روحَ هَذا الدينِ مُنعِشَها
مِن بَعدِ ما بَلَغَت مِنهُ تَراقيهِ

مَن مِنهُ دَهرَكَ ما ضيهِ وَحاليهِ
مُقَلِّدَ جيدِهِ بِالفَخرِ حاليهِ

آلي عَلى نَفسِهِ أَلا يُفارِقُها
إِلّا عَلى مَبدَأ لِلدينِ حاليهِ

فَسَل نُجومَ العُلا عَن شَأوِ هِمَّتِهِ
وَالشَرقُ وَالغَربُ فَاِسأَل عَن مَساعيهِ

لا أَختَشي إِن أَقُل مَن ذا يُساجِلهُ
مَن ذا يُساوِرهُ مَن ذا يُساويهِ

إِذا يَنتَضي قَلَماً كَالعَضبِ يَظهَرُهُ
عَلى حُسامٍ صَقيلِ الحَدِّ ماضيهِ

أَوانٌ يَقُل كُلَّما تَغدو وَقائِلَها
ذا البَحرِ يُزري وَذي تَزري لِآليهِ

فَلَيسَ تَتَلو الوَرى مِن قَوالِهِ غُرَراً
إِلّا وَنادوا جَميعَها جَلَّ باريهِ

نالَت فُؤادِيَ رَغباهُ فُؤادُهُ
وَبَلَّغتَني آمالي أَماليهِ

يا لَيتَ مَقدِرَتي في وَصفِ حِكمَتِهِ
كانَت تُعادِلُ بَينَ الناسِ حَبيهِ

فَكُنتُ أَشعُرُ أَهلَ الأَرضِ قاطِبَةً
أَذ بِتُّ أَهيمُهُم مِن فِطرَتي فيهِ

لَكِنَّني دونَ ذا مَعَ ذاكَ مُعتَمِدٌ
عَلى مَقالَةٍ أَنَّ الفِعلَ أَنويهِ

أَنّي اِمرُؤٌ لَم تَكُن تَحصي مَطامِعَهُ
وَلَم يَخلُ في الوَرى شَيئاً لِيَكفيهِ

حَتّى رَآهُ فَأَمسَت دونَ مُبلِغُهُ
مِن كُلِّ مَأثَرِةِ صَرعى أَمانيهِ

وَإِنَّهُ وَالَّذي سَوّى مُحَمَّدَ مِن
لَم أَرضَ عَن ناظِري حَتّى أَرانيهِ

فَهوَ الهُمامُ الَّذي فَخَرَ القُلوبَ بِهِ
إِذا اِبتَدا اللُبَّ يَروي عَن مَعانيهِ

المُستَرِقُّ قُلوبَ الخَلقِ مَنطِقُهُ
إِذا أَفاضَ فَلا حَرَّ بَواديهِ

وَقَد غَدا طالِبُ التَأهيلِ عَن رُشدٍ
وَشيمَةِ الحُرِّ تَأبى غَيرَ أَهليهِ

آتاهُ رَبّي مِنَ النُعمى موفِرُها
إِذ يَمنَحِ الفَضلَ رَبّي مُستَحَقّيهِ

أَراهُ اِنجالَ اِنجابَ وَأَسعَدَهُ
بِخَفضِ عَيشٍ رَفيعِ الشانِ ساميهِ

وَمَدَّ في عُمرِهِ ذُخراً لَملَتهُ
بِالذَودِ عَن حُرمِ الإِسلامِ يَقضيهِ

فَهوَ الَّذي في الوَرى غَرّانَ أَنعُمِهِ
قَد أَنَطَقَتني اِرتِجالاً في تَهانيهِ