يا ناظِرِيَّ أَلَأياً تَبكِيانِ دَما - شكيب أرسلان
يا ناظِرِيَّ أَلَأياً تَبكِيانِ دَما
                                                                            أَهَكَذا عَهدَنا أَن نَحفَظُ الذِمَما
                                                                    لَو صارَ كُلُّ سَوادٍ مِنكُما يَقِقا
                                                                            عَلى الصَديقِ لَمّا أَنصَفتُماهُ لِما
                                                                    وَطالَما ذُبتُما شَوقاً لِرُؤيَتِهِ
                                                                            وَخِلتُماها أَماني النَفسِ وَالنِعَما
                                                                    فَالآنَ شَطَّت نَوى ما عِندي أَمَلٌ
                                                                            في القُربِ فَاِكتَحِلا مِن بَعدِهِ الظَلَما
                                                                    ماذا أَقولُ لقَلبي في الدِفاعِ إِذا
                                                                            أَقامَ قاضي الهَوى ما بَينَنا حَكَما
                                                                    وَيَلِمُّها حَسرَةً في القَلبِ باقِيَةً
                                                                            تَظَلُّ تَحتَ الثَرى تَستَصحِبُ النَدَما
                                                                    لَو أَنَّ لي طَيرَ يُمنٍ ما صَبَرَت لَها
                                                                            وَلا تَبَدَّلتُ مِن بِئزانِها الرَخَما
                                                                    وَلا عَداني عَنِ الأَحبابِ عادِيَةً
                                                                            وَلا حَثَثتُ لِغَيرِ الصَفوَةِ الرُسَما
                                                                    وَلا تُخَلَّفتُ عَن مِصرٍ وَمَقدِمَها
                                                                            وَقَد غَدَت دارَها مِن دارِنا أَمَما
                                                                    أَلوذُ بِالدَمعِ كَي أُطفي اللَهيبَ بِهِ
                                                                            فَأَستَزيدُ كَأَنّي نافِخٌ ضَرَما
                                                                    الآنَ حَقٌّ بأَن أَسخو بِأَسخَنِهِ
                                                                            إِنَّ المَدامِعَ يَتلو حَرَّها الشَبَما
                                                                    وَما بُكائي لِخَطبٍ قَد فَقَدَت بِهِ
                                                                            وَحدي خَليلاً بَراني فَقدُهُ أَلَما
                                                                    لَكِن بُكائي عَلى المُبكي بِمِصرَعِهِ
                                                                            أَهلَ المَشارِقِ بَل مِن غَيرِهِم أُمَما
                                                                    وَلَو سَبَقتُ بِهِ الوَرقاءُ ما لَحِقَت
                                                                            مَناحَتي صاحِبَيهِ السَيفُ وَالقَلَما
                                                                    وَالمَجدُ مُكتَسِياً مِن كَفِّهِ حَلَلا
                                                                            وَالفَضلُ مُرتَقِياً في ظِلِّهِ اُطَما
                                                                    وَالشِعرَ أَدرَكَ ما أَعيى زُهَيرَ وَما
                                                                            فاتَ الكَريمُ عَلى عِلّاتِهِ هِرَما
                                                                    خَطَبَ هَوى بِخَباءِ الفَضلِ فَاِنحَطَمَت
                                                                            أَوتادُهُ وَغَدَت أَطنابُهُ رَمَما
                                                                    نَبا بِمَحمودِ سَيفٍ لَو ضُرِبَت بِهِ
                                                                            حَدَّ الزَمانِ بِكَفِّ السَعدِ لا نَثلَما
                                                                    مُصيبَةٌ أَرجَفتُ صُمَّ الجِمادِ فَقُل
                                                                            في الشارِقِ أَنقَضَ أَو في الشاهِقِ اِنهَدَما
                                                                    نَتيجَةُ الوَقتِ لَو آلى بِهِ رَجُلٌ
                                                                            بِأَنَّهُ فَذُّ هَذا الدَهرِ ما أَثِما
                                                                    لَو أَنصَفَتهُ اللَيالي في مَقاسِمِها
                                                                            لِأَوطَأَتُها عَلى هامِ السُهى قَدَما
                                                                    لَو لَم يَكُن فَضلُهُ مِن حَظِّهِ بَدَلاً
                                                                            ما سامَهُ الدَهرُ إِرهاقاً وَلا حُرِما
                                                                    أَو كانَ لِلحَقِّ في تِلكَ الأُمورِ يَدٌ
                                                                            نَجَت بِهِ الحَجَّةُ البَيضا وَما اِتُّهِما
                                                                    ما كانَ يَأمَلُ إِلّا خَيرَ أُمَّتِهِ
                                                                            وَلا يُرَجّي لَها إِلّا عَزيزَ حمى
                                                                    فَإِن يَكُن طاشَ سَهمٌ عَن رَمِيَّتِهِ
                                                                            فَكَم مَلومٌ عَلى رَميٍ سِواهُ رَمى
                                                                    كَم ساءَ أَمرٌ بِحَملِ الجاهِلينَ لَهُ
                                                                            وَرُبَّما عَقداً بَعضَ مَن نَظَما
                                                                    لا يُحسِنُ الأَمرَ إِلّا مَن تَعودُهُ
                                                                            ما كُلُّ راكِبٍ خَيلٍ يَحفَظُ اللَجَما
                                                                    وَما نَجاحُ الفَتى كافٍ لِتُزَكّيهِ
                                                                            وَلا الحَبوطُ دَليلٌ أَنَّهُ وَهَما
                                                                    وَالفَضلُ وَالنَقصُ مَحتومٌ لِزامَهُما
                                                                            كَأَنَّ بَينَ الرَزايا وَالنُهى رَحِما
                                                                    ما زادَ جَوهَرُ سامي الحَكِّ غَيرَ سَنىً
                                                                            وَلا عَرا قَدرُهُ نَقصٌ بِما اِهتُضِما
                                                                    وَقَلَّما الدَهرُ ناوي مِثلَهُ أَسَداً
                                                                            مِمَّن رَعى تَلَعاتِ المَجدِ وَالأَكَما
                                                                    مُهَذَّبٌ لا تَرى في خَلقِهِ عِوَجا
                                                                            وَصاحِبٌ لَيسَ يَدري وُدَّهُ السَأَما
                                                                    لَم يَكفِهِ النَسَبُ العالي فَضَمَّ لَهُ
                                                                            أَصلاً وَفَصلاً لَعَمري ما رَسا وَسَما
                                                                    كانَ الأَوائِلُ في الأَنظارِ مُزعِجَةٌ
                                                                            حَتّى أَتى فَشَأى مَن جَدَّ مَن قَدُما
                                                                    وَلَيسَ مِن نابِتٍ في عَصرِنا أَدَباً
                                                                            إِلّا بِغَيثٍ مَعانيهِ زَكا وَنَما
                                                                    ما الجاهِلِيُّ وَلا ذاكَ المُخَضرَمُ لا
                                                                            وَلا المُوَلَّدُ مَعَهُ حائِزٌ قِسَما
                                                                    وَكُلُّ نابِغَةٍ في الشِعرِ مُلتَمِسٌ
                                                                            مِن كَأسِهِ رَشَفاتٍ كَي يُبَل ظَما
                                                                    لَو جاءَ في الزَمَنِ المَاضي وَعاصِرُهُ
                                                                            حَكيمُ كِندَةَ لَم يَزعُم بِما زَعَما
                                                                    أَو كانَ أَدرَكَ عَصراً قَد تَقَدَّمَهُ
                                                                            عَيّى حَبيبٌ عَنِ الإِنشادِ مُعتَصِما
                                                                    يَصطادُ كُلَّ شَرودٍ في قَصائِدِهِ
                                                                            فَلَيسَ بَيتٌ لَهُ عَن صِيدِها حَرَما
                                                                    أَو هَت فَصاحَتُهُ الأَقوالُ أَمتَنَها
                                                                            حَتّى تَكادُ عَلَيها تُؤَثِّرُ البَكَما
                                                                    وَرَدَّ فاسُها في الجَريِ راجِلَها
                                                                            حَتّى تَساوى أَخو جَهلٍ وَمَن عَلِما
                                                                    فَاِنعو لَنا الشِعرَ وَالآدابَ قاطِبَةً
                                                                            مَعَهُ وَقولوا لِشَوقي إِنَّهُ يَتِما
                                                                    مَن لِلبَدائِعِ أَو مَن لِلصَنائِعِ أَو
                                                                            مَن لِلوَقائِعِ إِمّا داهِمٌ دَهَما
                                                                    مِن لِلصَوارِمِ أَو مَن لِلمَكارِمِ أَو
                                                                            مَن لِلمَغارِمِ أَضحى عَقدُها اِنفَصَما
                                                                    يا يَومَ مَحمودَ ما أَبقَيتَ مُحَمَّدَةً
                                                                            إِلّا وَأَورَدتَها في نَحبِهِ العَدَما
                                                                    تِلكَ الخَلالُ فَهَل آتَ يُجَدِّدَها
                                                                            أَو هَل تَرى أَمَلُ العَليا بِها حُلُما
                                                                    هَيهاتَ يُسعِدُها شَهمٌ يُتاحُ لَها
                                                                            فَالدَهرُ أَلأَمُ مِن هَذا النَدى شِيَما
                                                                    لَن يَهتَدي بَعدَ مَحمودٍ دَليلٌ ثَنا
                                                                            وَلَستَ تُبصِرُ هَذا الجُرحَ مُلتَئِما
                                                                    وَاللَهُ ما عَجَبي مِن فوتِهِ عَجَبي
                                                                            لِمِثلِهِ كَيفَ حَتّى الآنَ قَد سَلَّما
                                                                    وَطالَما قُلتُ إِذا جادَ الزَمانُ بِهِ
                                                                            مَن عَلَّمَ الدَهرَ هَذا الجودُ وَالكَرَما
                                                                    يا حِليَةَ الشَرقِ أَضحى بَعدَها عُطُلاً
                                                                            وَبَيضَةَ الدَهرِ عَن أَمثالِها عَقَما
                                                                    إِن كانَ لَم تَألُكَ الدُناي مَعارِكَةً
                                                                            فَلَستَ أَوَّلُ حَرٍّ صادَفَ النَقَما
                                                                    ما شابَ مِنكَ بَلاءٍ نِيَّةً خَلُصَت
                                                                            وَمَن عَزا لَكَ مِن ظُلمٍ فَقَد ظَلَما
                                                                    كَم قاصِدٍ لَم تَعِب مَسعاهُ خَيبَتَهُ
                                                                            وَقائِدٌ لَم يَنَل خِزياً أَن اِنهَزَما
                                                                    وَرُبَّ مُسدي يَدٌ يَلقى البَلاءَ بِها
                                                                            وَرُبَّ جانٍ سَعيدٌ بِالَّذي جَرَما
                                                                    إِنَّ التَقاديرَ إِن أُجرَت سَفائِنَها
                                                                            أَلحَقنَ مَن كانَ غَمراً بِالَّذي حَزُما
                                                                    لا تُبعَدَنَّ وَلا يُبخَس ثَناكَ فَلَم
                                                                            تُجَرَّ إِلّا إِباءَ الضِيَمِ وَالشَمَما
                                                                    وَاللَهُ لَو كُنتَ تَدري ما بِنا كَمَداً
                                                                            لَكُنتَ أَنتَ لَنا الراثي وَمَن رَحَما
                                                                    لَيسَ الَّذي جاوَرَ الديماسَ في نَكَدٍ
                                                                            كَمِن يُزَجّي إِلَيهِ الهَمَّ والسَقَما
                                                                    إِن كانَ حَبلُ حَياةِ المَرءِ أَجَمَعُهُ
                                                                            أَحبولَةً كانَ خَيرَ الحَبلِ ما اِنصَرَما
                                                                    فَاِذهَب عَلَيكَ تَحِيّاتث المُهَيمِنِ ما
                                                                            هَمّي بِتُربِكَ دَمعَ المُزنِ مُنسَجِما
                                                                    هانَت بِمَصرَعِكَ الأَرزاءُ أَجمَعُها
                                                                            فَلَيسَ يُجزِعُ مِن رُزءٍ وَلَو عَظُما