أَقسَمتُ إِذا طَلَعَت عَلَيَّ شُموسَها - شكيب أرسلان

أَقسَمتُ إِذا طَلَعَت عَلَيَّ شُموسَها
وَزَهَت بِها الأَرجاءِ وَهيَ عَروسَها

أَعلى مَحلٍ في الجَمالِ مَحلُها
وَبِها فَأَجمَلَ بَلدَةَ طَرسوسَها

لَم أَحسُدِ العُشّاقَ إِلّا واحِداً
أَحظاهُ رَبُّ العَرشِ فَهوَ جَليسُها

في مَجلِسٍ يَدَعُ الحَليمَ مُرَنِّحاً
سِيّانَ فيهِ لِحاظِها وَكُؤوسُها

ما إِن رَأَتها مُهجَةٌ إِلّا فَدَت
ذاكَ المُحَيّا نَفسَها وَنَفيسِها

وَمِنَ العَجائِبِ وَهيَ ريمَةٌ رامَةٌ
تَعنو لَها غُلبُ الرِجالِ وَشوسُها

هِيَ جُؤذُرٍ وَلَكُم سَبَت مِن ضَيغَمِ
لا يَستَبيهِ مِنَ الجُيوشِ خَميسَها

جارَت عَلَيها وَهيَ بَعدَ ظُبَيَّةً
نَكباءُ تَصطَلِمُ الأُسودَ ضَروسُها

فَعَدا عَلَيها مُذ نُعومَةِ ظَفرِها
خَبَباً نَعيمَ الحادِثاتِ وَبَوسِها

بَعدَ القُصورِ العالِياتِ رَأَيتُها
في كَسرِ بَيتِ قَصرِها ناموسِها

بَعدَ الثَراءِ الجَمِّ حُلَّةً صانِعِ
وَلِكُلِّ حالٍ في الزَمانِ لَبوسِها

تَمضي لَها في الغَزلِ بيضُ أَنامِلٍ
ظَلَمَ الَّذي هُوَ بِالحَريرِ يَقيسُها

القَطنُ يَهزَاُ بِالدَمَقسِ بِكَفِّها
وَالخَزُّ وَدَّ لَو أَنَّهُ مَلموسُها

في الغَزلِ أَصبَحَ وَلَنا بِهِ
مُتَحَرِّكاً قَطَعَ تَيضقُ طُروسُها

يَرجو المُلوكَ نَظيرُها لِبَنيهِم
فَيَعودُ رَبُّ المُلوكِ وَهوَ يَئيسُها

اَحَبَبتُ عيسى وَالصَليبُ لِأَجلِها
حَتّى يَكادُ يَؤُمُّ بي قَسيسُها

وَأُخالِفُ الشَيخَ التَميمي الَّذي
ما كانَ يَطرَبُ سَمعُهُ نا قوسَها

لَو كانَ شاهِدُ وَجهَها وَعَفافِها
مَعَ حُسنِها ما آدَّهُ تَقديسَها

بَطَشَت بِنا وَهيَ الضَعيفُ بِذاتِها
بِطَشاتُ أَنوَرُ بِالعِداةِ يَدوسَها

هُوَ ذَلِكَ البَطَلُ الَّذي في ذِكرِهِ
أَبَداً يُضيءُ مِنَ الوُجوهِ عَبوسَها

عادَت بِهِ الآمالُ سُعودُهُ مَوصولَةً
فيها تَغيبُ عَنِ الدِيارِ نُحوسَها

وَأَراهُ كُلَّ الكاشِحينَ أَذِلَّةً
مَخفوضَةً بِذَرى عُلاهُ رُءوسَها