وَاطُولَ شَوْقِي إِلَيْكَ يَا وَطَنُ! - محمود سامي البارودي

وَاطُولَ شَوْقِي إِلَيْكَ يَا وَطَنُ!
وَإِنْ عَرَتْنِي بِحُبِّكَ الْمِحَنُ

أَنْتَ الْمُنَى وَالْحَدِيثُ إِنْ أَقْبَلَ الصْـ
ـصُبْحُ، وَهَمِّي إِنْ رَنَّقَ الْوَسَنُ

فَكَيْفَ أَنْسَاكَ بِالْمَغِيبِ وَلِي
فِيكَ فُؤَادٌ بِالْحُبِّ مُرْتَهَنُ؟

لَسْتُ أُبَالِي وَقَدْ سَلِمْتَ عَلَى الدْ
دَهْرِ إِذَا مَا أَصَابَنِي الْحَزَنُ

ليتَ بريدَ الحمامِ يخبرني
عنْ أهلِ ودى ؛ فلي بهمْ شجنُ

أَهُمْ عَلَى الْوُدِّ، أَمْ أَطَافَ بِهِمْ
واشٍ أراهمُ خلافَ ما يقنوا ؟

فإنْ نسوني فذكرتي لهمُ
وَكَيْفَ يَنْسَى حَيَاتَهُ الْبَدَنُ؟

بَيْنَ أُنَاسٍ إِذَا وَزَنْتَهُمُ
بِالذَّرِّ عِنْدَ الْبَلاَءِ مَا وَزَنُوا

لا في موداتهمْ إذا صدقوا
ربحٌ ، وَ لاَ في فراقهمْ غبنُ

منْ كلَّ فظًّ يلوكُ في فمهِ
مضغة َ سوءٍ مزاجها عفنُ

يَنْضَحُ شِدْقَاهُ بِالرُّؤَالِ كَمَا
علَّ بنضحِ العتيرة ِ الوثنُ

شُعْثٌ، عُرَاة ٌ، كَأَنَّهُمْ خَرَجُوا
منْ نفقِ الأرضِ بعدَ ما دفنوا

لا يحسنونَ المقالَ إنْ نطقوا
جهلاً ، ولا يفقهونَ إنْ أذنوا

أَرَى بِهِمْ وَحْشَة ً إِذَا حَضَرُوا
وَ طيبَ أنسٍ إذا همُ ظعنوا

وَكَيْفَ لِي بِالْمُقَامِ فِي بَلَدٍ
ما لي بها صاحبٌ ، وَ لاَ سكنُ

كلُّ خليلٍ لخلهِ وزرٌ
وَ كلُّ دارٍ لأهلها أمنُ

فهلْ إلى عودة ٍ ألمُّ بها
شملى ، وألقى " محمداً " سننُ ؟

ذاكَ الصديقُ الذي وثقتُ بهِ
فَهْوَ بِشُكْرِي وَمِدْحَتِي قَمِنُ

عَاشَرْتُهُ حِقْبَة ً، فَأَنْجَدَنِي
منهُ الحجا ، وَ البيانُ ، وَ اللسنُ

وَهْوَ إِلَى الْيَوْمِ بَعْدَ مَا عَلِقَتْ
بِيَ الرَّزَايَا مُخَيِّلٌ هُتُنُ

ينصرني حيثُ لا يكادُ حمٌ
يمنحني ودهُ ، وَ لاَ ختنُ

قدْ كانَ ظني يسيءُ بالناسِ لوْ
لاهُ ، وفردٌ يحيا به الزمنُ

فَهْوَ لَدَى الْمُعْضِلاَتِ مُسْتَنَدٌ
وَ عندَ فقدِ الرجاءِ مؤتمنُ

نَمَّتْ عَلَى فَضْلِهِ شَمَائِلُهُ
وَنَفْحَة ُ الْوَرْدِ سِرُّهَا عَلَنُ

لوْ كانَ يعلو السماءَ ذو شرفٍ
لَكَانَ بِالنَّيِّرَاتِ يَقْتَرِنُ

فليحى حراً ممتعاً بجميــ
ـلِ الذِّكْرِ فَالذِّكْرُ مَفْخَرٌ حَسَنُ