هَل فى الخلاعة ِ والصِبا من باسِ - محمود سامي البارودي
هَل فى الخلاعة ِ والصِبا من باسِ
بيْنَ الْخَلِيجِ وَروْضَة ِ الْمِقْيَاسِ؟
أرضٌ كساها النيلُ مِن إبداعهِ
وَلِباسِهِ الْمَوْشِيِّ أَيَّ لِباسِ
فَكَأَنَّمَا هَوَتِ الْمَجَرَّة ُ بَيْنَهَا
فتشكلت فى جُملة ِ الأغراسِ
يَتَلَهَّبُ النُّوَّارُ في أَطْرَافِها
فَتَخَالُهُ قَبَساً مِنَ الأَقْبَاسِ
لَوْلاَ مِسَاسُ الطَّلِّ أَحْرَقَ ضَوْؤُهُ
ديلَ الخمائلِ : رَطبِها والعاسى
تَصْبُو الْعُيُونُ إِلَى سَنَاهُ، فَتَرْتَمِي
مَهوى الفراشة ِ لامِعُ النبراسِ !
نَو شامَ بَهجتها وحُسنَ رُوائها
فيما أظنُّ لحارَ عقلُ إياسِ
مَلْهَى أَخِي طَرَبٍ، وَمَلْعَبُ صَبْوَة ٍ
وَثَرَى بُلَهْنِيَة ٍ، وَدَارُ أُناسِ
مَا كُنْتُ في عُمْرِي لأَغْدُوَ نَحْوهَا
حَتى أَبِيتَ بِها صَرِيعَ الْكَاِس
يا ساقى ّ ، تنَبّها ، فَلَقَدْ بَدَا
فَلَقُ الصَّبَاحِ، وَلاَتَ حِينَ نُعَاسِ
طُوفَا عَلَيَّ بِها، فَقَدْ نَمَّ الصَّبَا
أَثْنَاءَ رَوْحَتِهِ بِسِرِّ الآسِ
مِنْ خَمْرَة ٍ أَفْنَى الزَّمَانُ شَبَابَهَا
فِى مُخْدَعٍ بِقَرَارَة الدّيمَاس
حُبِسَتْ عَنِ الأَبْصَارِ، حَتَّى إِنَّهَا
لَمْ تَدْرِ غَيْرَ الدّيْرِ والشّماس
يَنْزُو لِوَقْعِ الْمَاءِ دُرُّ حَبَابِها
نَزْوَ المَعَابِلِ طِرنَ عَنْ أَقواس
فَإِذَا تَعَاوَرَهَا الْمِزَاجُ تَوَجَّسَتْ
حَذَرَ الْمَهَانَة ِ أَيَّمَا إِيجاسِ
تشْتفُّ من تحْتِ الحبَاب ، كَأنّها
ياقُوتَة ٌ قَدْ رُصِّعَتْ بِالْمَاسِ
مَا حُل بَينَ القَوم عَقْدُ وِكائها
لِلشرْب إِلاَّ آدبت بِعُطاسِ
لاَ يَخْدَعَنَّكَ في الْمُدَامَة ِ جَاهِلٌ
إِنَّ الْمُدَامَة َ نُهْزَة ُ الأَكْيَاسِ
إِنَّ الْمُدَامَ أَسَاسُ كُلِّ طَرِيفَة ٍ
فاجْعَلْ بِناءَ اللَّهْوِ فَوْقَ أَساسِ
لاَ تجمَعُ الأَيامُ كيْفَ تَصَرَّفتْ
فى القَلب بَينَ الخَمْرِ والوَسواس
فَاسْتَوْثِقَا أَخَوَيَّ مِنْ شَأَنَيْكُمَا
وَذَرَا الْمَطِيَّ تَمُورُ بِالإِحْلاَسِ
إِنَّ الْفَلاَة َ لَهَا رِجَالٌ غَيْرُنَا
يبغونَ نيلَ اليُسرِ بالإفلاسِ
إنَّ الغنى والفَقرَ فى هَذا الورى
لمُقَدَّرٌ ، واللهُ ذو قِسطاسِ
فَعلامَ يُبلى المرءُ جدَّة عُمرهِ
مُتَقَلِّباً بَيْنَ الرَّجَا وَالْيَاسِ؟
أَوَ لَيْسَ أَنَّ الْعَيْشَ لُبْسُ عَبَاءَة ٍ
وَسِدَادُ مَسْغَبَة ٍ، وَنَغْبَة ُ حَاسِي؟
تاللهِ لو علِمَ الرِجالُ بِمكرِها
عِلمى لباعوها بِغيرِ مِكاسِ
هِيَ سَاعَة ٌ تَمْضِي، وَتَأْتِي سَاعَة ٌ
والدَّهْرُ ذُو غِيَرٍ بِهَذَا النَّاسِ
فَخُذَا مِنَ الأَيَّامِ مَا سَمَحَتْ بِهِ
لِلنَفْسِ قَبْلَ تَعَذُّرٍ وَشِماسِ
وَإِذَا أَرَابَكُمَا الزَّمَانُ بِوَحْشَة ٍ
فاستمخِضاهُ اليُسرَ بالإيناسِ
إنَّ الروائمَ لا تدرُّ لَبونُها
إلاَّ بلينِ المسحِ والإبساسِ
فَلَرُبَّ صَعْبٍ عَادَ سَهْلاً بَعْدَمَا
قُطِعَتْ عَلَيْهِ مَرَائِرُ الأَنْفَاسِ
ما كُلُّ ما طلبَ الفتى هوَ مُدرَكٌ
إِنَّ الأُمُورَ بِحِكْمَة ٍ وَقِياسِ