ماذَا عَلى قُرَّة ِ العَيْنَيْنِ لَوْ صَفَحَتْ - محمود سامي البارودي
ماذَا عَلى قُرَّة ِ العَيْنَيْنِ لَوْ صَفَحَتْ
وعَاوَدَتْ بِوِصالٍ بَعْدَ ما صَفَحَتْ
بايَعْتُها الْقَلْبَ إِيجاباً بِما وَعَدَتْ
فيالَها صفقة ً فى الحبِّ ما ربِحَت
قد يزعمُ النَّاسَ أنَّ البخلَ مقطعة ٌ
فما لقلبى ِ يهواها وماسَمحَتْ ؟
خوطيَّة ُ القدِّ ، لو مرَّ الحمامُ بها
لم يَشْتَبِهْ أَنَّها مِنْ أَيْكِهِ انْتَزَحَتْ
خفَّت معاطفها ، لَكن روادفُها
بِمِثْلِ ما حَمَّلَتْنِي في الهَوَى رَجَحَتْ
وَيْلاهُ مِنْ لَحْظِها الْفَتَّاكِ إِنْ نَظَرَتْ
وَآهِ مِنْ قَدِّها الْعَسَّالِ إِنْ سَنَحَتْ
يَمُوتُ قَلْبِي وَيَحْيَا حَيْرَة ً وهُدى ً
في عالَمِ الْوَجْدِ إِنْ صَدَّتْ وإِنْ جَنَحَتْ
كَالْبَدْرِ إِنْ سَفَرَتْ، والظَّبْيِ إِنْ نَظَرَتْ
والْغُصْن إِنْ خَطَرَتْ، والزَّهْرِ إِنْ نَفَحَتْ
واخَجْلَة َ الْبَدْرِ إِنْ لاحَتْ أَسِرَّتُهَا
وحيرة َ الرشإِ الوسنانِ إن لمحَت
لها رَوابِطُ لا تَنْفَكُّ آخِذَة ً
بعُروة ِ القلبِ إن جدَّت ، وإن مزحَتْ
يا سَرْحَة َ الأَمَلِ الْمَمْنُوعِ جَانِبُهُ
ويا غَزَالَة َ وادِي الْحُسْنِ إِنْ سَرَحَتْ
ترفَّقى بفؤادٍ أنتِ منيَته
ومقلة ٍ لسوى مرآكِ ما طمحَتْ
حاشاكِ أن تسمعى قولَ الوشاة ِ بنا
فإِنَّها رُبَّمَا غَشَّتْ إِذَا نَصَحَتْ
أفسدتُ في حبَّكُم نفسى جوى ً وأسى ً
والنفسُ فى الحبِّ مهما أُفسِدَت صلَحَتْ
ما زِلتُ أسحرُها بالشعرِ تسمعهُ
مِن ذاتِ فهمٍ ، تُجيدُ القولَ إن شرَحتْ
حتَّى إذا علِمَت ما حلَّ بى ، ورأّت
سُقْمِي، وخَافَتْ عَلى نَفْسٍ بها افْتَضَحَتْ
حنَّت رثَت عطفَت مالَت صبَت عزَمتْ
همَّت سرَتْ وصلَتْ عادَت دنَتْ منَحَتْ
فبتُّ فى وصلِها فى نعمَة ٍ عَظُمَت
ما شِئْتُ، أَوْ جَنَّة ٍ أَبْوَابُهَا فُتِحَتْ
أنالُ من ثغرِها الدُّرِّى ِّ ما سألَتْ
نَفْسِي، وَمِنْ خَدِّهَا الْوَرْدِيِّ ما اقْتَرَحَتْ
في رَوْضَة ٍ بَسَمَتْ أَزْهارُهَا، ونَمَتْ
أَفْنَانُهَا، وَسَجَتْ أَظْلاَلُهَا، وَضَحَتْ
تَكَلَّلَتْ بِجُمَانِ الْقَطْرِ، وَاتَّزَرَتْ
بسُنْدُسِ النبتِ والريحانِ ، واتَشحَتْ
ترنحَّ الغصنُ مِن أشواقهِ طرباً
لمَّا رأى الطَّيرَ فى أوكارِها صدَحَتْ
صَحَّ النَّسِيمُ بها وَهْوَ الْعَلِيلُ، وَقَدْ
مَالَتْ بِخَمْرِ النَّدَى أغْصَانُها، وَصَحَتْ
وَلَيْلَة ٍ سالَ في أَعْقَابِهَا شَفَقٌ
كَأَنَّهَا بِحُسَامِ الْفَجْرِ قَدْ ذُبِحَتْ
طَالَتْ، وَقَصَّرَهَا لَهْوِي بِغَانِيَة ٍ
إن أعرضَتْ قتَلَتْ ، أو أقبلَتْ فضَحَتْ
هيفاء ُ، إن نطقَت غنَّتْ ، وإن خطَرَتْ
رنَّتْ ، وإن فوَّقَت ألحاظها جرَحَتْ
دارت علينا بها الكاساتُ مُترعة ً
بخمرة ٍ لو بدَت فى ظلمة ِ قدحتْ
حَمْرَاءَ سَلْسَلَهَا الإِبْرِيقُ في قَدَحٍ
كَشُعْلَة ٍ لَفَحَتْ في ثَلْجَة ٍ نَصَحَتْ
رُوحٌ إِذَا سَلَكَتْ في هَامِدٍ نَبَضَتْ
عروقهُ ، أو دنتْ من صخرة ٍ رشحَتْ
طارتْ بألبابنا سُكراً ، ولا عجَبٌ
وهى الكُميتُ إذا فى حلبَة ٍ جمَحَتْ
حتَّى بدا الفجرُ مِن أطرافِ ظلمتِها
كغرة ٍ فى جوادٍ أدهمٍ وضحِتْ
فيا لَها ليلة ً ما كانَ أَحسنَها
لو أنها لبِثَت حَولاً وما برِحَتْ