نَزَعتُ عن الصِّبا ، وعصَيتُ نَفسى - محمود سامي البارودي
نَزَعتُ عن الصِّبا ، وعصَيتُ نَفسى
ودافَعتُ الغَواية َ بالتَّأسِّى
وَقُلْتُ لِصَبْوَتِي وَالْعَيْنُ غَرْقَى
بِأدمُعِها رويدكِ ،لا تَمسِّى
فَقَدْ وَلَّى الصِّبَا إِلاَّ قَلِيلاً
أُنازِعُ سؤرَهُ بِفضولِ كأسى
وَمَنْ يَكُ جَاوَزَ الْعِشْرِينَ تَتْرَى
وأَرْدَفَهَا بِأَرْبَعَة ٍ وخَمْسِ
فَقَدْ سَفَرَتْ لِعَيْنَيْهِ اللَّيَالِي
وبانَ لَهُ الهُدى من بَعدِ لبسِ
نَظَرْتُ إِلَى الْمِرَاة ِ فَكَشَّفَتْ لِي
قِناعاً لاحَ فيهِ قَتيرُ رأسى
وكُنتُ وكانَ فيناناً أثيثاً
أُنازِعُ شرَّتى ، وأذودُ بَأسى
فَعُدْتُ وَقَدْ ذَوَى مِنْ بَعْدِ لِينٍ
أُدَارِي صَبْوَتِي، وَأُسِرُّ يَأْسِي
فَمَا أَمْسِي كَيَوْمِي حِينَ أَغْدُو
على كِبر ، وما يومى كأمسِى
وَمَا الأَيَّامُ إِلاَّ صائِبَاتٌ
تَمُرُّ بِكُلِّ سَابِغَة ٍ وتُرْس
أبادَت قَبلنا إرماً وعاداً
وَطَارَتْ بَيْنَ ذُبْيَانٍ وَعَبْسِ
وألوت بالمُضللَِّ ، واستمالَتْ
عمادَ الشَّنفرى ، وهَوت بِقسِّ
فَلاَ «جمشيدُ» دَافَعَ إِذْ أَتَتْهُ
بحادثها ، ولا ربُّ الدِّرفسِ
عَلَى هذَا يَسِيرُ النَّاسُ طُرّاً
ويبقى اللهُ خالِقُ كلِّ نفسِ