هنيئاً لريَّا ما تضمُّ الجوانحَ - محمود سامي البارودي

هنيئاً لريَّا ما تضمُّ الجوانحَ
وإن طوَّحت بى فى هواها الطوائِحُ

فَتاة ٌ لَها فِي مَنْصِبِ الْحُسْنِ سُورَة ٌ
تقصِّرُ عنها الغِيدُ وهى رواجحُ

أحاطَ على مثلِ الكثيبِ إزارها
ودَارَتْ عَلَى مِثْلِ الْقَناة ِ الْوَشائِحُ

ففى الغصنِ منها إن تثنَّت مشابِهٌ
وفى البدرِ منها إن تجلَّت ملامحُ

مَحاسِنُ رَبَّاتِ الْحِجَالِ كَثِيرَة ٌ
ولكنَّها إن وازنتها مقابحُ

كأنَّ اهتزاز القرطِ فى صفحِ جيدها
سنا كوكبٍ فى مطلعِ الفجرِ لائحُ

لها ذُكْرَة ٌ عِنْدِي وَطَيْفٌ، كِلاهُمَا
بِتِمْثَالِها غادٍ عَليَّ ورائِحُ

عَجِبْتُ لِعَيْنِي كَيْفَ تَظْمَأُ دُونَها
وإنسانها فى لجَّة ِ الماءِ سابحُ

أَحِنُّ لَها شَوْقاً، ودُونَ مَزارِهَا
مسالِكُ يأويها الرَّدى ومنادحُ

فيافٍ يضِلُّ النجمَ فى قُذُفاتها
وتَظْلَعُ فيها النَّائِجَاتُ الْبَوَارِحُ

وَلُجَّة ُ بَحْرٍ كُلَّما هَبَّ عاصِفٌ
مِنَ الرِّيحِ، دَوَّى مَوْجُهَا المُتَنَاطِحُ

فقلبى تحتَ السَّرد كالنارِ لافحٌ
ودَمْعِيَ فَوْقَ الْخَدِّ كالْمَاءِ سافِحُ

ولَوْ كُنْتُ مَطْلُوقَ الْعِنانِ لمَا ثَنَتْ
هواى َ الفيافى والبحارُالطَّوافحُ

ولَكِنَّنِي في جَحْفَلٍ لَيْسَ دُونَهُ
بَراحٌ لِذِي عُذْرٍ، وَلاَ عَنْهُ بَارِحُ

يكافحنى شوقى إذا اللَّيلُ جنَّنى
وأغدو على جمعِ العدا فأكافحُ

خصيمانِ : هذا بالفؤادِ مخيِّمٌ
وذلكَ عَنْ مَرْمَى الْقَذِيفَة ِ نازِحُ

ومَا بيَ ما أَخْشاهُ مِنْ صَوْلَة ِ الْعِدَا
لَوَ انَّ الْهَوَى يُولِي يَداً، أَوْ يُسامِحُ

فَيَا «رَوْضَة َ الْمِقْيَاسِ» حَيَّاكِ عارِضٌ
مِنَ الْمُزْنِ خَفَّاقُ الْجَنَاحَيْنِ دَالِحُ

ضَحُوكُ ثَنايَا الْبَرْقِ، تَجْرِي عُيُونُهُ
بودقٍ بهِ تحيا الرُبى والصحاصحُ

تحوكُ بخيطِ المزنِ منهُ يدُ الصبا
لَها حُلَّة ً تَخْتَالُ فِيهَا الأَبَاطِحُ

منازلُ حلَّ الدهرُ فيها تمائمى
وصافحنى فيها القنا والصفائِحُ

وإنَّ أحقَّ الأرضِ بالشكرِ منزلٌ
يكونُ بهِ للمرءِ خلٌّ مناصِحُ

فهل ترجعُ الأيامُ فيهِ بما مضَتْ
ويَجْرِي بِوَصْلٍ مِنْ «أُمَيْمَة َ» سانِحُ؟

لعمرى لقد طالَ النَّوى ، وتقاذفَتْ
مَهامِهُ دُونَ الْمُلْتَقَى ومَطاوِحُ

وأَصْبَحْتُ في أَرْضٍ يَحَارُ بها الْقَطا
وترهَبُها الجِنَّانُ وهى سّوارِحُ

بَعِيدَة ُ أَقْطَارِ الدَّيامِيمِ، لَوْ عَدا
«سُلَيْكٌ» بها شَأْواً قَضَى وَهْوَ رازِحُ

تصيحُ بها الأصداءُ فى غسَقُ الدجى
صِياحَ الثكالى هيَّجتها النوائحُ

تَرَدَّتْ بِسَمُّورِ الْغَمَامِ جِبالُها
وماجت بتيَّارِ السيولِ البطائحُ

فأَنْجادُها لِلْكَاسِراتِ مَعَاقِلٌ
وأغوارها للعاسلاتِ مسارحُ

مهالكُ ينسى المرءُ فيها خليلهُ
وَيَنْذُرُ عَنْ سَوْمِ الْعُلا مَن يُنافِحُ

فَلاَ جَوَّ إِلاَّ سَمْهَرِيٌّ وقاضِبٌ
ولا أرضَ إلا شمرى ٌّ وسابحُ

ترانا بها كالأُسدِ نرصدُ غارة ً
يطيرُ بها فتقٌ منَ الصبحِ لامحُ

مَدافِعُنَا نُصْبُ الْعِدَا، ومُشاتُنَا
قِيَامٌ، تَلِيها الصَّافِناتُ الْقَوارِحُ

ثلاثة ُ أصنافٍ تقيهنَّ ساقة ٌ
صيالَ العدا إن صاحَ بالشَّرِّ صائحُ

فَلَسْتَ تَرَى إِلاَّ كُماة ً بَوَاسِلاً
وجُرْداً تَخْوضُ الْمَوْتَ وَهْيَ ضَوابِحُ

نُغيرُ على الأبطالِ والصبحُ باسمٌ
ونأوى ِ إلى الأدغالِ واللَّيلُ جانحُ

بَكَى صاحِبِي لَمَّا رَأَى الْحَرْبَ أَقْبَلَتْ
بأبنائها ،واليومُ أغبرُ كالحُ

ولَمْ يَكُ مَبْكَاهُ لِخَوْفٍ، وإِنَّمَا
تَوَهَّمَ أَنِّي في الْكَرِيهَة ِ طَائِحُ

فقال اتَّئد قبلَ الصيالِ ، ولاتكن
لنَفسكَ حرباً ، إنَّنى لكَ ناصحُ

أَلَمْ تَرَ مَعْقُودَ الدُّخانِ، كَأَنَّمَا
عَلَى عَاتِقِ الْجَوْزاءِ مِنْهُ سَرائِحُ؟

وقَدْ نَشَأَتْ لِلْحَرْبِ مُزْنَة ُ قَسْطَلٍ
لَهَا مُسْتَهلٌّ بِالْمَنِيَّة ِ راشِحُ

فلا رأى إلاَّ أن تكونَ بنجوة ٍ
فإنكَ مقصودُ المكانة ِ واضحُ

فقلتُ تعلَّم أنما هى خطَّة
يَطُولُ بها مَجْدٌ، وتُخْشَى فَضَائِحُ

فَمَا كُلُّ ما تَرجُو مِنَ الأَمْرِ ناجعٌ
ولا كُلُّ مَا تَخْشَى مِنَ الْخَطْبِ فَادِحُ

فقدْ يهلكُ الرعديدُ فى عقرِ دارهِ
ويَنْجُو مِنَ الحَتْفِ الْكَمِيُّ الْمُشَايِحُ

وكلُّ امرئٍ يوماً ملاقٍ حِمامهُ
وإن عار فى أرسانهِ وهو جامحُ

فما بارحٌ إلاَّ معَ الخيرِ سانِحٌ
ولا سَانِحٌ إِلاَّ مَعَ الشَّرِّ بارِحُ

فَإِنْ عِشْتُ صافَحْتُ الثُّرَيَّا، وإِنْ أَمُتْ
فأنَّ كريماً منْ تضمُّ الصفائحُ