مَنْ لِعَيْنٍ إِنْسَانُهَا لاَ يَنَامُ - محمود سامي البارودي

مَنْ لِعَيْنٍ إِنْسَانُهَا لاَ يَنَامُ
وَ فؤادٍ قضى عليهِ الغرامُ

أقطعُ الليلَ بينَ حزنٍ وَ دمعٍ
وَسُهَادٍ، وَالنَّاسُ عَنِّي نِيَامُ

لا صديقٌ يرثي لما بتُّ ألقا
هُ ، وَ لاَ مسعدٌ - فأينَ الكرامُ ؟

لمْ تدعْ لوعة ُ الصبابة ِ مني
غيرَ نفس غذاؤها الآلامُ

رَقَّ طَبْعُ النَّسِيمِ رِفْقاً بِحَالِي
وَبَكَى ـ رَحْمَة ً ـ عَلَيَّ الْحَمَامُ

وَ بنفسي - لوْ كنتُ أملكُ نفسي -
قَمَرٌ نُورُهُ عَلَيَّ ظَلاَمُ

تَسْتَطِيبُ الْقُلُوبُ فِيهِ الرَّزَايَا
وَ تلذُّ الضنى بهِ الأجسامُ

غَيَّرَتْهُ الْوُشَاة ُ؛ فَازْوَرَّ عَنِّي
وَ هوَ منى بنجوة لاَ ترامُ

زعموني أتيتُ ذنباً ، وَ ما لي -
يعلمُ اللهُ - في هواهُ أثامُ

سَوْفَ يَلْقَى كُلُّ امْرِىء ٍ مَا جَنَاهُ
وَ إلى اللهِ ترجعُ الأحكامُ

يا نديميَّ ! علالاني ، فلنْ تهـ
ـلِكَ نَفْسٌ قَدْ عَلَّلَتْهَا النِّدَامُ

ربَّ قول يردُّ لهفة َ قلب
وَ كلامٍ تجفُّ منهُ الكلامُ

وَ منَ الماسِ منْ تراهُ سليماً
وَ هوَ داءٌ تدوى بهِ الأفهامُ

قدْ - لعمري - بلوتُ دهري ، فما أحـ
ـمَدْتُ مِنْهُ مَا تَحْمَدُ الأَقْوَامُ

صَلَفٌ لاَ يَبُلُّ غُلَّة َ صَادٍ
وَ مراعٍ هشيمها لا يشامُ

أطلبُ الصدثَ في الوداد
يصدقُ الودُّ وَ العهودُ رمامُ ؟

كلما قلتُ قدْ أصبتُ خليلاً
فَانْظُرُوا: كَيْفَ تُعْبَدُ الأَصْنَامُ؟

فَتَفَرَّدْ تَعِشْ بِنَفْسِكَ حُرّاً
ربَّ فردِ يخشاهُ جيشٌ لهامُ

وَاحْذَرِ الضَّيْمَ أَنْ يَمَسَّكَ؛ فَالضَّيْـ
ـمُ حِمَامٌ يَفِرُّ مِنْهُ الْحِمَامُ

ضلَّ قومٌ توهموا الصبرَ حاماً
وَ هوَ - إلاَّ لدى الكريهوِ - ذامُ

يَحْسَبُونَ الْحَيَاة َ في الذُّلِ عَيْشاً
وَ هوَ موتٌ يعيشٌ فيهِ اللئامُ