ما لي وَ للدارِ منْ " ليلى " أحييها - محمود سامي البارودي
ما لي وَ للدارِ منْ " ليلى " أحييها
وَقَدْ خَلَتْ مِنْ غَوَانِيهَا مَغَانِيهَا؟
دَعِ الدِّيَارَ لِقوْمٍ يكْلَفُونَ بِهَا
وَ اعكفْ على حانة ٍ كالبدرِ ساقيها
كمْ بينَ دائرة ٍ أقوتْ معالمها
وَبَيْنَ عَامِرَة ٍ تَزْهُو بِمَنْ فِيهَا؟
هَيْهَاتَ، مَا الدَّارُ تُشْجِينِي بِسَاحَتِهَا
وَإِنَّمَا الدَّارُ تُشْجِينِي بِأَهْلِيهَا
فَخَلِّ هَذَا، وَخُذْ فِي وَصْفِ غَانِيَة ٍ
سَرَتْ بِحُلْوَانَ فِي قَلْبِي سَوَارِيهَا
ريانة ُ القدَّ ، لوْ أنَّ الضجيجَ لها
خَافَ الْعُيُونَ عَلَيْهَا كَادَ يَطْوِيهَا
في نشوة ِ الخمرِ سرٌّ منْ مراشفها
وَ في الأراكة ِ شكلٌ منْ تهاديها
يَا لَيْلَة ً بِتُّ أُسْقَى مِنْ بَنَانَتِهَا
وَ منْ لواحظها خمراً ، وَ منْ فيها
أَحْيَيْتُهَا، وَأَمَتُّ النَّوْمَ مُعْتَصِماً
بِلَذَّة ٍ لاَ يَكَادُ الدَّهْرُ يُنْسِيهَا
حَتَّى إِذَا رَفَّ خَيْطُ الْفَجْرِ، وَابْتَدَرَتْ
حمائمُ الأيكِ تشدوِ في أغانيها
قَامَتْ تَمَايَلُ سَكْرَى فِي مَآزِرِهَا
وَ الروعُ يبعثها طوراً ، ويثنيها
تَخْشَى الضِّيَاءَ وَفِي أَزْرَارِهَا قَمَرٌ
يَسْتَوقِفُ الْعَيْنَ حَيْرَى فِي مَجَارِيهَا
ثمَّ انْثَنَتْ وَيَدِي قَيْدٌ لِخَاصِرَة ٍ
كالخيزرانة ِ رياً في تثنيها
في بلجة ٍ لاَ تكادُ العينُ تنكرها
وَسُمْرة ٍ رُبَّمَا شَفَّتْ نَوَاحِيهَا
حتى تجاوزتُ أحراساً على َ شرفٍ
يكادُ يمنعُ همَّ النفسِ داعيها
وَحَرَّكَتْ حَلَقَاتِ الْبَابِ، فَانْفَتَحَتْ
عنْ ساحة ٍ سكنتْ فيها تراقيها
فَعُدْتُ وَالْعَيْنُ غَرْقَى فِي مَدَامِعِهَا
وَالْقَلْبُ فِي لَوْعَة ٍ تَنْزُو نَوَازِيهَا
فيا لها ليلة ً ! كانتْ بوصلتها
تَارِيخَ لَهْوٍ يَهِيجُ النَّفْسَ رَاوِيهَا