وَذِى نَعَرَاتٍ يَقْطَعُ الأَرْضَ سَارياً - محمود سامي البارودي

وَذِى نَعَرَاتٍ يَقْطَعُ الأَرْضَ سَارياً
عَلى غَيْرِ سَاقٍ وهو بِالأرضِ أَعْرَفُ

لَهُ فَوْقَ أَعْنَاقِ للرِياحِ سَبَائِبُ
مُحَبَّرَة ٌ، مِنْهَا قَصِيرٌ وَمُسْدَفُ

كَأَنْ سُليْمَانَ بْن دَاوُدَ فَوْقَهُ
عَلَى عَرْشِهِ، وَالْجِنُّ بِالْجِنِّ تَعْزِفُ

يَجدُّ بنا فى اَمْرِهِ وهوَ لاَعِبٌ
وَ يَضْحَكُ أَحْيَاناً وعَيْنَاهُ تذْرِفُ

تلَهّبُ فِيه النَارُ والمَاءُ سَافِحٌ
فلاَ الْمَاءُ يُطفِيها ، ولاَ النَارُ تضُعفُ

إِذا سَارَ عنْ أَرض غَدَتْ وهى جَنّة ٌ
وَإِنْ حَلَّ أُخْرَى عَمَّهَا مِنْهُ زُخْرُفُ

يَكونُ حَيَاة ً لِلنفوس ، ورُبما
ضَبَتْ مِنْهُ نَارٌ، أَوْ سَطَا مِنْهُ مُرْهَفُ

لَهُ زَفْرَة ٌ تَتْرَى ، وَعَيْنٌ سَخِيَّة ٌ
وَقَلْبٌ كَزَهْرَاءِ الْمَصَابِيحِ يَرْجُفُ

يَسِيرُ عَلى مَتنِ الْهواءِ ، وتارَة ً
يُخَضْخِضُ سَجْلاً فِي الْبِحَارِ فَيَغْرِفُ

أَضَرَّ بِأَعْنَاقِ النَّعَائِمِ حَمْلُهُ
فَأَلْقَتْ بِهِ عَنْ ظَهْرِهَا، فَهْوَ يَرْسُفُ

لَهُ هَيْدَبٌ مِلءُ الفَضَاءِ ، كَأَنّهُ
مَنَاكِبُ أَطْوَادٍ عَلَى الأَرْضِ تَزْحَفُ

فَزِعنا إليهِ ، نَحسبُ الجونَ عَسكراً
يَسيرُ ، فَشِمنا بِرقَهُ وهوَ يَخطَفُ

فَقُلْنَا: سَحَابٌ، يَا سَقَى اللَّه أَرْضَنَا
بِهِ، وَرَوَانَا، فَهْوَ بِالنّاسِ أَرْأَفُ

فما تمَّ أن سارَت بهِ الرِيحُ سَيرَة ً
إلينا ، ووافى رائدُ الحَى َّ يَحلِفُ

فَقُمنا إليهِ واثِقينَ بِجودهِ
نَسِيرُ، وَيَعْرُونَا السُّرُورُ فَنَهْتِفُ

دَنا ، فتناولنا خَياشِيمَ مُزنهِ
قُعُوداً، فَظَلَّتْ وَهْيَ بِالْمَاءِ تَرْعُفُ

وطافَت بهِ الوِلدانُ يَخلِجنَ ماءَ هُ
بِأكوابِها ، والهِمُّ يَدنو فَيغرِفُ

فَلأياً بِلأى ٍ ما تولَّتْ حُداءهُ
مُزَمْجِرَة ٌ هَوْجَاءُ بِالْقَاعِ تَعْصِفُ

فَأْبْقَى لَنَا أَثْراً حَمِيداً، وَنْعْمَة ً
لَهَا مَسْحَبٌ نَضْرٌ، وَجَيْبٌ مُفَوَّفُ

كَذَلِكَ، مَا كُنَّا لِنَكْفُرَ صُنْعَهُ
على أنَّ بَعضَ الناسِ بالشرِّ أكلَفُ