أحببْ بهنَّ معاهداً وَ معانا - محمود سامي البارودي

أحببْ بهنَّ معاهداً وَ معانا
كَانَتْ مَنَازِلُنَا بِهَا أَحْيَانَا

دِمَنٌ عَفَتْ بَعْدَ الأَنِيسِ، فَأَصْبَحَتْ
للجازئاتِ منَ الظباءِ مكانا

وَ لقدْ نرى فيها ملاعبَ لمْ تزلْ
تشجى الفؤادَ ، وَ لا نرى إنسانا

عرفتْ بها الجردُ العتاقُ مجالها
فَغَدَتْ تُحَمْحِمُ رِقَّة ً وَحَنَانَا

بتنا بها متساندينَ على الثرى
نَصِفُ الْكَلاَلَ، وَنَذْكُرُ الإِخْوَانَا

أيامَ لا يردُ الجمامَ لعزها
أَحَدٌ، وَلاَ يَرْعَى الْجَمِيمَ سِوَانَا

في مَعْشَرٍ رَسَخَتْ حَصَاة ُ حُلُومِهِمْ
أدباً ، وَ خفوا للوغى فرسانا

قرنوا الشجاعة َ بالسماحة ِ ، فاغتدوا
قَيْدَ الْمَحَامِدِ شِدَّة ً وَلِيَانَا

طَلَعُوا عَلَى الزَّمَنِ الْبَهِيمِ، فَأَثْقَبُوا
نارَ الفضائلِ حجة ً وَ بيانا

منْ كلَّ مشبوبٍ تخالُ لسانهُ
عِنْدَ التَّخَاصُمِ فِي النَّدِيِّ سِنَانَا

إنْ قالَ برَّ ، وَ إنْ أتاهُ مطردٌ
آوى ، وَ إنْ سئلَ الكرامة َ لانا

أنا منهمُ ، وَ العودُ يتبعُ أصلهُ
وَابْنُ الْهَجِينَة ِ لاَ يَكُونُ هِجَانَا

فاكوِ الحسودَ بناظريهِ ، وَ قلْ لهُ :
إنْ كنتَ تجهلنا فكيفَ ترانا ؟

إِنَّا إِذَا مَا الْحَرْبُ شَبَّ سَعِيرُهَا
نحمى النزيلَ ، وَ نمنعُ الجيرانا

وَنَرُدُّ عَادِيَة َ الْخَمِيسِ بِأَنْفُسٍ
عَلِمَتْ بِأَنَّ مِنَ الْحَيَاة ِ هَوَانَا

فَتَرَى عِتَاقَ الْخَيْلِ حَوْلَ بُيُوتِنَا
قُبَّ الْبُطُونِ، تُنَازِعُ الأَرْسَانَا

مشقَ الطرادُ لحومهنَّ ، فلمْ يدعْ
إِلاَّ خَوَاصِرَ كَالْقِسِيِّ مِتَانَا

منْ كلَّ منتصبٍ على َ أقيادهِ
متطلعٌ يتنظرُ الحدثانا

بَذَخَتْ قَوَائِمُهُ، وَأَقْبَلَ مَتْنُهُ
وَانْضَمَّ كَلْكَلُهُ، وَطَالَ عِنَانَا

فإذا علا حزناً أطارَ شرارهُ
وَإِذَا أَتَى سَهْلاً أَطَارَ دُخَانَا

وَ الخيلُ أكرمُ صاحبٍ يومَ الوغى
وَ السلمِ ، تبعثُ غارة ً وَ رهانا

فعلى بطونِ خيارها أرزاقنا
وَ على َ ظهورِ جيادها مغدانا

هَذَا الْفَخَارُ، فَدُرْ بِعَيْنِكَ حَيْثُمَا
دارَ الزمانُ ، فلنْ ترى نقصانا