غَلَبَ الْوَجْدُ عَلَيْهِ، فَبَكَى - محمود سامي البارودي

غَلَبَ الْوَجْدُ عَلَيْهِ، فَبَكَى
وَتَوَلَّى الصَّبْرُ عَنْهُ، فَشَكَا

وتَمنَّى نَظرة ً يَشفِى بِها
عِلَّة َ الشوقِ ، فكانَت مَهلَكا

يَا لَهَا مِنْ نَظْرَة ٍ! مَا قَارَبَتْ
مَهْبِطَ الْحِكْمَة ِ حَتَّى انْهَتَكَا

نَظرَة ٌ ضَمَّ عَليها هُدبَهُ
ثُمَّ أَغْرَاهَا، فَكَانَتْ شَرَكَا

غَرَسَتْ فِي الْقَلْبِ مِنِّي حُبَّهُ
وسَقتهُ أدمًعِى حَتَّى زكا

آهِ مِنْ بَرْحِ الْهَوَى ! إِنَّ لَهُ
بينَ جَنبى َّ منَ النارِ ذكا

كانَ أبقَى الوجدُ مِنِّى رمقاً
فَاحْتَوَى الْبَيْنُ عَلَى مَا تَرَكَا

إنَّ طَرفِى غَرَّ قَلبِى ، فَمَضى
فِي سَبِيلِ الشَّوْقِ حَتَّى هَلَكَا

قَد تولَّى إثرَ غِزلانِ النَقا
ليتَ شِعرِى ، أى َّ وادٍ سلكا

لم يَعُد بعدُ ، وظنِّى أنَّهُ
لَجَّ فِي نَيْلِ الْمُنَى فَارْتَبَكَا

ويحَ قَلبِى من غَريمٍ ماطِلٍ
كُلَّما جدَّدَ وعداً أفَكا

ظنَّ بِى سوءاً وقد ساوَمتهُ
قُبلَة ً ، فازورَّ حَتَّى فَرِكا

فاغتفِرها زَلَّة ً من خاطِئٍ
لَمْ يَكُنْ بِاللَّهِ يَوْماً أَشْرَكَا

يا غَزالاً نصبت أهدابهُ
بِيَدِ السِّحْرِ لِضَمِّي شَبَكَا

قَد مَلكتَ القلبَ ، فاستوصِ بهِ
إِنَّهُ حَقُّ عَلَى مَنْ مَلَكَا

لاَ تُعَذِّبْهُ عَلَى طَاعَتِهِ
بعدَ ما تيَّمتَهُ ، فَهو لَكا

غَلَبَ الْيَأْسُ عَلَى حُسْنِ الْمُنَى
فِيكَ، وَاسْتَوْلَى عَلَى الضِّحْكِ الْبُكَا

فإلى من أشتَكِى ما شَفُّنِى
مِن غَرامٍ ، وإليكَ المشتَكَى ؟

سَلَكت نَفسِى سبيلاً فى الهَوى
لم تَدَع فيهِ لِغيرَتِى مَسلَكا