مَتَى يَشْتَفِي هَذَا الْفُؤَادُ الْمُفَجَّعُ - محمود سامي البارودي

مَتَى يَشْتَفِي هَذَا الْفُؤَادُ الْمُفَجَّعُ
وفى كلِّ يومٍ راحلٌ ليسَ يَرجِعُ ؟

نَمِيلُ مِنَ الدُّنْيَا إِلَى ظِلِّ مُزْنَة ٍ
لَهَا بَارِقٌ فِيهِ الْمَنِيَّة ُ تَلْمَعُ

وكيفَ يَطيبُ العيشُ والمرءُ قائمٌ
على حذَرٍ مِنْ هَولِ ما يتَوقَّعُ ؟

بِنَا كُلَّ يَوْمٍ لِلْحَوَادِثِ وَقْعَة ٌ
تَسيلُ لَها مِنَّا نُفوسٌ وأدمعُ

فَأَجْسَادُنَا فِي مَطْرَحِ الأَرْضِ هُمَّدٌ
وأرواحُنا فى مَسرحِ الجَوِّ رُتَّعُ

ومِنْ عَجَبٍ أنَّا نُساءُ ونَرتضِى
ونُدرِكُ أسبابَ الفَناءِ ونَطمَعُ

وَلَوْ عَلِمَ الإِنْسَانُ عُقْبانَ أَمْرِهِ
لَهانَ عليهِ ما يَسُرُّ ويَفجَعُ

تَسِيرُ بِنَا الأَيَّامُ، وَالْمَوْتُ مَوْعِدٌ
وَتَدْفَعُنَا الأَرْحَامُ، والأَرْضُ تَبْلَعُ

عفاءٌ على الدُّنيا ، فما لِعِداتِها
وَفَاءٌ، وَلاَ في عَيْشِهَا مُتَمَتَّعُ

أبَعدَ سميرِ الفضلِ " أحمدَ فارسٍ "
تَقِرُّ جُنُوبٌ، أَوْ يُلائِمُ مَضْجعُ؟

كَفى حَزناً أنَّ النَوى َ صَدَعَتْ بهِ
فؤاداً مِنَ الحِدثانِ لا يَتَصدَّعُ

وَمَا كُنْتُ مِجْزَاعاً، وَلَكِنَّ ذَا الأَسَى
إِذَا لَمْ يُسَاعِدْهُ التَّصبُّرُ يَجْزَعُ

فَقدناهُ فِقدانَ الشَّرابِ على الظما
فَفى كُلِّ قَلبٍ غُلَّة ٌ ليسَ تُنقَعُ

وأى ُّ فُؤادٍ لمْ يَبِتْ لِمُصابهِ
عَلَى لَوْعَة ٍ، أَوْ مُقْلَة ٍ لَيْسَ تَدْمَعُ؟

إذا لَم يَكنْ لِلدَمعِ فى الخَدِّ مَسربٌ
رَوِيٌّ فَمَا لِلْحُزْنِ فِي الْقَلْبِ مَوْضِعُ

مَضَى ، وَوَرِثْنَاهُ عُلُوماً غَزِيرَة ً
تَظلُّ بِها هِيمُ الخَواطِرِ تَشرَعُ

إذا تُليَتْ آياتُها فى مَقامة
تَنافَسَ قَلبٌ فى هَواها ومِسمَعُ

سَقى جَدَثاً فى أرضِ " لُبنانَ " عارِضٌ
مِنَ الْمُزْنِ فَيَّاضُ الْجَدَاوِلِ مُتْرَعُ

فَإِنَّ بهِ لِلْمَكْرُمَاتِ حُشَاشَة ً
طَوَاهَا الرَّدَى ، فَالْقَلْبُ حَرَّانُ مُوجَعُ

فَإِنْ يَكُنِ «الشِّدْيَاقُ» خَلَّى مَكَانَهُ
فَإِنَّ ابْنَهُ عَنْ حَوْزَة ِ الْمَجْدِ يَدْفَعُ

وما ماتَ مَن أبقى عَلى الدَهرِ فاضِلاً
يُؤَلِّفُ أَشْتَاتَ الْمَعَالِي وَيَجْمَعُ

رَزينُ حَصاة ِ الحِلمِ ، لا يَستخِفهُ
إِلَى اللَّهْوِ طَبْعٌ، فَهْوَ بالْجِدِّ مُولَعُ

تَلوحُ عَليهِ من أبيهِ شَمائلٌ
تَدُلُّ عَلَى طِيبِ الْخِلاَلِ، وَتَنْزِعُ

فَصبراً جَميلاً " يا سليمُ " فإنَّما
يُسِيغُ الْفَتَى بِالصَّبْرِ مَا يَتَجَرَّعُ

إذا المرءُ لَمْ يَصبِر على ما أصابهُ
فماذا تُراهُ فى المُقَدَّرِ يَصنَعُ ؟

وَمِثْلُكَ مَنْ رَازَ الأُمُورَ بِعَقْلِهِ
وَأَدْرَكَ مِنْهَا مَا يَضُرُّ وَيَنْفَعُ

فَلاَ تُعْطِيَنَّ الْحُزْنَ قَلْبَكَ، وَاسْتَعِنْ
عَليهِ بِصبرٍ ، فَهوَ فى الحُزنِ أنجَعُ

وَهَاكَ عَلَى بُعْدِ الْمَزَارِ قَرِيبَة ً
إِلَى النَّفْسِ، يَدْعُوهَا الْوَفَاءُ فَتَتْبَعُ

رَعَيْتُ بِهَا حَقَّ الْوِدَادِ عَلى النَّوَى
ولِلحَقِّ فى حُكمِ البَصيرة ِ مَقطَعُ